قوله تعالى : { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين }
اعلم أن في الإعادة وجوها : أحدها : أن التكرار في هذا وأمثاله للتأكيد وإيجاب الحجة على الخصم على عادة العرب ، وثانيها : أنه إنما ذكر ذلك مع زيادة وهي قولهم : { سمعنا وعصينا } وذلك يدل على نهاية لجاجهم .
أما قوله تعالى : { قالوا سمعنا وعصينا } ففيه مسائل :
المسألة الأولى : أن إظلال الجبل لاشك أنه من أعظم المخوفات ومع ذلك فقد أصروا على كفرهم وصرحوا بقولهم { سمعنا وعصينا } وهذا يدل على أن التخويف وإن عظم لا يوجب الانقياد .
المسألة الثانية : الأكثرون من المفسرين اعترفوا بأنهم قالوا هذا القول ، قال أبو مسلم : وجائز أن يكون المعنى سمعوه فتلقوه بالعصيان فعبر عن ذلك بالقول وإن لم يقولوه كقوله تعالى : { أن يقول له كن فيكون } وكقوله : { قالتا أتينا طائعين } والأول أولى لأن صرف الكلام عن ظاهره بغير الدليل لا يجوز .
أما قوله تعالى : { وأشربوا في قلوبهم العجل } ففيه مسائل :
المسألة الأولى : وأشربوا في قلوبهم حب العجل ، وفي وجه هذا الاستعارة وجهان ، الأول : معناه تداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب ، وقوله : { في قلوبهم } بيان لمكان الإشراف كقوله : { إنما يأكلون في بطونهم نارا } الثاني : كما أن الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض فكذا تلك المحبة كانت مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال .
المسألة الثانية : قوله : { وأشربوا } يدل على أن فاعلا غيرهم فعل بهم ذلك ، ومعلوم أنه لا يقدر عليه سوى الله ، أجابت المعتزلة عنه من وجهين : الأول : ما أراد الله أن غيرهم فعل بهم ذلك لكنهم لفرط ولوعهم وإلفهم بعبادته أشربوا قلوبهم حبه فذكر ذلك على ما لم يسم فاعله كما يقال فلان : معجب بنفسه ، الثاني : أن المراد من أشرب أي زينه عندهم ودعاهم إليه كالسامري وإبليس وشياطين الإنس والجن . أجاب الأصحاب عن الوجهين بأن كلا الوجهين صرف اللفظ عن ظاهره وذلك لا يجوز المصير إليه إلا لدليل منفصل ، ولما أقمنا الدلائل العقلية القطعية على أن محدث كل الأشياء هو الله لم يكن بنا حاجة إلى ترك هذا الظاهر .
أما قوله تعالى : { بكفرهم } فالمراد باعتقادهم التشبيه على الله وتجويزهم العبادة لغيره سبحانه وتعالى .
أما قوله : { قل بئسما يأمركم به إيمانكم } ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : المراد بئسما يأمركم به إيمانكم بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة العجل وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم كما قال في قصة شعيب : { أصلاتك تأمرك } وكذلك إضافة الإيمان إليهم .
المسألة الثانية : الإيمان عرض ولا يصح منه الأمر والنهي لكن الداعي إلى الفعل قد يشبه بالآمر كقوله تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } .
أما قوله تعالى : { إن كنتم مؤمنين } فالمراد التشكيك في إيمانهم والقدح في صحة دعواهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.