المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

27- وإن حب الاعتداء في طبيعة بعض الناس ، فاقرأ - أيها النبي - على اليهود - وأنت صادق - خبر هابيل وقابيل ابني آدم ، حين تقرَّب كل منهما إلى الله بشيء ، فتقبل الله قربان أحدهما لإخلاصه ، ولم يتقبل من الآخر لعدم إخلاصه ، فحسد أخاه وتوعده بالقتل حقداً عليه ، فرد عليه أخوه مبيناً له أن الله لا يتقبل العمل إلا من الأتقياء المخلصين في تقربهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

{ 27 - 31 } { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ }

إلى آخر القصة{[261]}  أي : قص على الناس وأخبرهم بالقضية التي جرت على ابني آدم بالحق ، تلاوة يعتبر بها المعتبرون ، صدقا لا كذبا ، وجدا لا لعبا ، والظاهر أن ابني آدم هما ابناه لصلبه ، كما يدل عليه ظاهر الآية والسياق ، وهو قول جمهور المفسرين .

أي : اتل عليهم نبأهما في حال تقريبهما للقربان ، الذي أداهما إلى الحال المذكورة .

{ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } أي : أخرج كل منهما شيئا من ماله لقصد التقرب إلى الله ، { فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ } بأن علم ذلك بخبر من السماء ، أو بالعادة السابقة في الأمم ، أن علامة تقبل الله لقربان ، أن تنزل نار من السماء فتحرقه .

{ قَالَ } الابن ، الذي لم يتقبل منه للآخر حسدا وبغيا { لَأَقْتُلَنَّكَ } فقال له الآخر -مترفقا له في ذلك- { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } فأي ذنب لي وجناية توجب لك أن تقتلني ؟ إلا أني اتقيت الله تعالى ، الذي تقواه واجبة عليّ وعليك ، وعلى كل أحد ، وأصح الأقوال في تفسير المتقين هنا ، أي : المتقين لله في ذلك العمل ، بأن يكون عملهم خالصا لوجه الله ، متبعين فيه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .


[261]:- في ب: كتب الآيات إلى قوله تعالى: "فأصبح من النادمين".
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

وبعد أن ساق - سبحانه - جوانب متعددة من أحوال أهل الكتاب وما جبلوا عليه من أخلاق سيئة ، أتبع ذلك بقصة ابنى آدم ، فقال - تعالى - :

{ واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابني ءَادَمَ بالحق إِذْ . . . }

قال أبو حيان " مناسبة هذه الآيات لما قبلها ، هو أن الله لما ذكر تمرد بني إسرائيل وعصيانهم أمره في النهوض لقتال الجبارين ، أتبع ذلك بذكر قصة ابني آدم وعصيان قابيل أمر الله ، وأنهم اقتفوا في العصيان أول عاص لله وأنهم انتهوا في خور الطبيعة . وهلع النفوس والجبن والفزع إلى غاية بحيث قالوا لنبيهم الذي ظهرت على يديه خوارق عظيمة - { فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } وانتهى قابيل إلى طرف نقيض منه من الجسارة والعتو بأن أقدم على أكبر المعاصي بعد الشرك وهو قتل النفس التي حرم الله قتلها ، بحيث كان أول من سن القتل ، وكان عليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة . فاشتبهت القصتان من حيث الجبن عن القتل والإِقدام عليه . ومن حيث المعصية بهما وأيضاً فتقدم قوله في أوائل الآيات :

{ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } وتبين أن عدم اتباع بني إسرائيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنما سببه الحسد ، وقصة بني آدم انطوت على الحسد : وأن بسببه وقعت أول جريمة قتل على ظهر الأرض .

وقوله : ( واتل ) من التلاوة . وأصل التلاوة القراءة المتتابعة الواضحة في مخارج حروفها .

وفي النطق بها . والمراد بابني آدم : ولداه وهما قابيل وهابيل .

قال القرطبي : واختلف في ابني آدم . فقال الحسن البصري : ليسا من صلبه كانا رجلين من بني إسرائيل - ضرب الله بهما المثل في إبانة حسد اليهود - وكان بينهما خصومة ، فتقربا بقربانين ، ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل قال ابن عطية : وهذا وهم ، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل يقتدى بالغراب ؟ والصحيح أنهما ابناه لصلبه . هذا قول الجمهور من المفسرين وهما قابيل وهابيل .

والضمير في قوله : ( عليهم ) يعود على بني إسرائيل الذين سبق الحديث عنهم . أو على جميع الذين أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم لهدايتهم ويدخل فيه بنو إسرائيل دخولا أولياً ، لإعلامهم بما هو في كتبهم حيث وردت هذه القصة في التوراة .

وقوله ( بالحق ) متعلق بمحذوف وقع صفة لمصدر ( اتل ) أي : اتل عليهم تلاوة ملتبسة بالحق والصدق . والقربان : اسم لما يتقرب به إلى الله - تعالى - من صدقة أو غيرها . ويطلق في أكثر الأحوال على الذبائح التي يتقرب إلى الله - بذبحها .

قال أبو حيان : وقد طول المفسرون في سبب تقريب هذا القربان - من قابيل وهابيل - وملخصه : أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى ، وكان آدم يزوج ذكر هذا البطن أنثى ذلك البطن الآخر . ولا يحل للذكر نكاح توأمته : فولد مع قابيل أخت جميلة ، وولد مع هابيل أخت دون ذلك .

فأبى قابيل إلا أن يتزوج توأمته لا توأمه هابيل ، وأن يخالف سنة النكاح ونازع قابيل وهابيل في ذلك ، فاتفقا على أن يقدما قربانا - فأيهما قبل قربانه تزوجها ، والقربان الذي قرباه هو زرع لقابيل - وكان صاحب زرع - وكبش هابيل - وكان صاحب غنم - فتقبل من أحدهما وهو هابيل ولم يتقبل من الآخر وهو قابيل . وكانت علامة التقبل أن تأكل نار نازلة من السماء القربان المتقبل وتترك غير المتقبل .

والمعنى : واتل - يا محمد - على هؤلاء الحسدة من اليهود ، وعلى الناس جميعا قصة قابيل وهابيل ، وقت أن قربا قرباناً لله - تعالى - فتقبل الله - عز وجل - قربان أحدهما - وهو هابيل - لصدقة وإخلاصه ، ولم يتقبل من الآخر - وهو قابيل - بسوء نيته وعدم تقواه .

ثم حكى - سبحانه - ما دار بين الأخوين من حوار فقال : { قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ } أي قال قابيل متوعدا أخاه هابيل : لأقتلنك بسبب قبول قربانك ، دون قرباني ، فأنت ترى أن هذا الأخ الظالم قد توعد أخاه بالقتل - وهو من أكبر الكبائر . دون أن يقيم للأخوة التي بينهما وزنا ودون أن يهتم بحرمة الدماء وبحق غيره في الحياة والذي حمله على ذلك الحسد له على مزية القبول .

وقد أكد تصميمه على قتله لأخيه بالقسم المطوي في الكلام والذي ، تدل عليه اللام . ونون التوكيد الثقيلة أي والله لأقتلنك بسبب قبول قربانك .

وهنا يحكي القرآن الكريم ما رد به الأخ البار التقي هابيل على أخيه الظالم الحساد قابيل ، فيقول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين } .

أي : قال هابيل لقابيل ناصحا ومرشداً : إنما يتقبل الله الأعمال والصدقات من عباده المتقين الذين يخشونه في السر والعلن ؛ وليس من سواهم من الظالمين الحاسدين لغيرهم على ما آتاهم الله من نعم ، فعليك أن تكون من المتقين لكي يقبل منك الله .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف كان قوله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين } جوابا لقوله : { لأَقْتُلَنَّكَ } ؟ قلت : لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له : إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى ، لا من قبلي ، فلم تقتلني ؟ ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول ؟ فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان . وفيه دليل على أن الله - تعالى - لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

27

( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق : إذ قربا قربانا ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال : لأقتلنك . قال : إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ، إني أخاف الله رب العالمين : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار ، وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه ، فقتله ، فأصبح من الخاسرين . فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ، ليريه كيف يواري سوأة أخيه . قال : يا ويلتى ! أعجزت أن أكون مثل هذا >الغراب ، فأواري سوأة أخي ؟ فأصبح من النادمين ) . . .

هذه القصة تقدم نموذجا لطبيعة الشر والعدوان ؛ ونموذجا كذلك من العدوان الصارخ الذي لا مبرر له . كما تقدم نموذجا لطبيعة الخير والسماحة ؛ ونموذجا كذلك من الطيبة والوداعة . وتقفهما وجها لوجه ، كل منهما يتصرف وفق طبيعته . . وترسم الجريمة المنكرة التي يرتكبها الشر ، والعدوان الصارخ الذي يثير الضمير ؛ ويثير الشعور بالحاجة إلى شريعة نافذة بالقصاص العادل ، تكف النموذج الشرير المعتدي عن الاعتداء ، وتخوفه وتردعه بالتخويف عن الإقدام على الجريمة ؛ فإذا ارتكبها - على الرغم من ذلك - وجد الجزاء العادل ، المكافى ء للفعلة المنكرة . كما تصون النموذج الطيب الخير وتحفظ حرمة دمه . فمثل هذه النفوس يجب أن تعيش . وأن تصان ، وأن تأمن ؛ في ظل شريعة عادلة رادعة .

ولا يحدد السياق القرآني لا زمان ولا مكان ولا أسماء القصة . . وعلى الرغم من ورود بعض الآثار والروايات عن : " قابيل وهابيل " وأنهما هما ابنا آدم في هذه القصة ؛ وورود تفصيلات عن القضية بينهما ، والنزاع على أختين لهما . . فإننا نؤثر أن نستبقي القصة - كما وردت - مجملة بدون تحديد . لأن هذه الروايات كلها موضع شك في أنها مأخوذة عن أهل الكتاب - والقصة واردة في العهد القديم محددة فيها الأسماء والزمان والمكان على النحو الذي تذكره هذه الروايات - والحديث الوحيد الصحيح الوارد عن هذا النبأ لم يرد فيه تفصيل . وهو من رواية ابن مسعود قال : قال رسول الله [ ص ] : " لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل " . . [ رواه الإمام أحمد في مسنده ] : حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا : حدثنا الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق عن عبدالله بن مسعود . . وأخرجه الجماعة - سوى أبى داود - من طرق عن الأعمش . . وكل ما نستطيع أن نقوله هو أن الحادث وقع في فترة طفولة الإنسان ، وأنه كان أول حادث قتل عدواني متعمد ، وأن الفاعل لم يكن يعرف طريقة دفن الجثث . .

وبقاء القصة مجملة - كما وردت في سياقها القرآني - يؤدي الغرض من عرضها ؛ ويؤدي الإيحاءات كاملة ؛ ولا تضيف التفصيلات شيئا إلى هذه الأهداف الأساسية . . لذلك نقف نحن عند النص العام لا نخصصه ولا نفصله . .

( واتل عليهم نبأ ابني آدم - بالحق - إذ قربا قربانا ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر . قال : لأقتلنك . قال : إنما يتقبل الله من المتقين ) . .

واتل عليهم نبأ هذين النموذجين من نماذج البشرية - بعدما تلوت من قصة بني إسرائيل مع موسى - اتله عليهم بالحق . فهو حق وصدق في روايته ، وهو ينبى ء عن حق في الفطرة البشرية ؛ وهو يحمل الحق في ضرورة الشريعة العادلة الرادعة .

إن ابني آدم هذين في موقف لا يثور فيه خاطر الاعتداء في نفس طيبة . فهما في موقف طاعة بين يدي الله . موقف تقديم قربان ، يتقربان به إلى الله :

إذ قربا قربانًا . .

( فتقبل من أحدهما ، ولم يتقبل من الآخر ) . .

والفعل مبني للمجهول ؛ ليشير بناؤه هكذا إلى أن أمر القبول أو عدمه موكول إلى قوة غيبية ؛ وإلى كيفية غيبية . . وهذه الصياغة تفيدنا أمرين : الأول ألا نبحث نحن عن كيفية هذا التقبل ولا نخوض فيه كما خاضت كتب التفسير في روايات نرجح إنها مأخوذة عن أساطير " العهد القديم " . . والثاني الإيحاء بأن الذي قبل قربانه لا جريره له توجب الحفيظة عليه وتبييت قتله ، فالأمر لم يكن له يد فيه ؛ وإنما تولته قوة غيبية بكيفية غيبية ؛ تعلو على إدراك كليهما وعلى مشيئته . . فما كان هناك مبرر ليحنق الأخ على أخيه ، وليجيش خاطر القتل في نفسه ! فخاطر القتل هو أبعد ما يرد على النفس المستقيمة في هذا المجال . . مجال العبادة والتقرب ، ومجال القدرة الغيبية الخفية التي لا دخل لإرادة أخيه في مجالها . .

( قال : لأقتلنك ) . .

وهكذا يبدو هذا القول - بهذا التأكيد المنبى ء عن الإصرار - نابيا مثيرا للاستنكار لأنه ينبعث من غير موجب ؛ اللهم إلا ذلك الشعور الخبيث المنكر . شعور الحسد الأعمى ؛ الذي لا يعمر نفسا طيبة . .

وهكذا نجدنا منذ اللحظة الأولى ضد الاعتداء : بإيحاء الآية التي لم تكمل من السياق . .

ولكن السياق يمضي يزيد هذا الاعتداء نكارة وبشاعة ؛ بتصوير استجابة النموذج الآخر ؛ ووداعته وطيبة قلبه :

( قال : إنما يتقبل الله من المتقين ) .

هكذا في براءة ترد الأمر إلى وضعه وأصله ؛ وفي إيمان يدرك أسباب القبول ؛ وفي توجيه رفيق للمعتدي أن يتقي الله ؛ وهداية له إلى الطريق الذي يؤدي إلى القبول ؛ وتعريض لطيف به لا يصرح بما يخدشه أو يستثيره . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

{ واتل عليهم نبأ ابني آدم } قابيل وهابيل ، أوحى الله سبحانه وتعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأمة الآخر ، فسخط منه قابيل لأن توأمته كانت أجمل ، فقال لهما آدم : قربا قربانا فمن أيكما قبل تزوجها ، فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته ، فازداد قابيل سخطا وفعل ما فعل . وقيل لم يرد لهما ابني آدم لصلبه وأنهما رجلان من بني إسرائيل ولذلك قال : { كتبنا على بني إسرائيل } . { بالحق } صفة مصدر محذوف أي تلاوة ملتبسة بالحق ، أو حال من الضمير في اتل ، أو من نبأ أي ملتبسا بالصدق موافقا لما في كتب الأولين { إذ قربا قربانا } ظرف لنبأ ، أو حال منه ، أو بدل على حذف مضاف أي واتل عليهم نبأهما نبأ ذلك الوقت ، والقربان اسم ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى من ذبيحة أو غيرها ، كما أن الحلوان اسم ما يحلى به أي يعطى ، وهو في الأصل مصدر ولذلك لم يثن وقيل تقديره إذ قرب كل واحد منهما قربانا . قيل كان قابيل صاحب زرع وقرب أردأ قمح عنه ، وهابيل صاحب ضرع وقرب جملا سمينا . { فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر } لأنه سخط حكم الله سبحانه وتعالى ولم يخلص النية في قربانه وقصد إلى أخس ما عنده . { قال لأقتلنك } نوعده بالقتل لفرط الحسد له على تقبل قربانه ولذلك . { قال إنما يتقبل الله من المتقين } في جوابه أي إنما أتيت من قبل نفسك بترك التقوى لا من قبلي فلم تقتلني ، وفيه إشارة إلى أن الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا ، لا في إزالة حظه فإن ذلك مما يضره ولا ينفعه ، وأن الطاعة لا تقبل إلا من مؤمن متق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

{ اتل } معناه اسرد وأسمعهم إياه ، وهذه من علوم الكتب الأول التي لا تعلق لمحمد صلى الله عليه وسلم بها إلا من طريق الوحي ، فهو من دلائل نبوته ، والضمير في { عليهم } ظاهر أمره أنه يراد به بنو إسرائيل لوجهين : أحدهما أن المحاورة فيما تقدم إنما هي في شأنهم وإقامة الحجج عليهم بسبب همهم ببسط اليد إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، والثاني أن علم { نبأ ابني آدم } إنما هو عندهم وفي غامض كتبهم ، وعليهم تقوم الحجة في إيراده . والنبأ :الخبر . و «ابنا آدم » هما في قول جمهور المفسرين لصلبه . وهما قابيل وهابيل ، وقال الحسن بن أبي الحسن البصري «ابنا آدم » ليسا لصلبه ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل .

قال القاضي أبو محمد : وهذا وهم ، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب ، والصحيح قول الجمهور وروي أن تقريبهما للقربان إنما كان تحنثاً وتطوعاً . وكان قابيل صاحب زرع فعمد إلى أرذل ما عنده وأدناه فقربه ، وكان هابيل صاحب غنم ، فعمد إلى أفضل كباشه فقربه ، وكانت العادة حينئذ أن يقرب المقرب قربانه ويقوم يصلي ويسجد ، فإن نزلت نار وأكلت القربان فذلك دليل للقبول وإلا كان تركه دليل عدم القبول ، فلما قرب هذان كما ذكرت فنزلت النار وأخذت كبش هابيل فرفعته وسترته عن العيون وتركت زرع قابيل ، قال سعيد بن جبير وغيره : فكان ذلك الكبش يرتع في الجنة حتى أهبط إلى إبراهيم في فداء ابنه ، قال سائقو هذا القصص : فحسد قابيل هابيل وقال له : أتمشي على الأرض يراك الناس أفضل مني ؟ وكان قابيل أسن ولد «آدم » . وروي أن «آدم » سافر إلى مكة ليرى الكعبة وترك قابيل وصياً على بنيه فجرت هذه القصة في غيابه ، وروت جماعة من المفسرين منهم ابن مسعود : أن سبب هذا التقريب أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى فكان الذكر يزوج أنثى البطن الآخر ، ولا تحل له أخته توأمته ، فولدت مع قابيل أخت جميلة ، ومع هابيل أخت ليست كذلك فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل : أنا أحق بأختي ، فأمره «آدم » فلم يأتمر ، فاتفقوا على التقريب ، وروي أن آدم حضر ذلك فتقبل قربان هابيل ووجب أن يأخذ أخت قابيل{[4508]} ، فحينئذ قال له { لأقتلنك } وقول هابيل : { إنما يتقبل الله من المتقين } كلام قبله محذوف تقديره ولم تقتلني وأنا لم أجنِ شيئاً ولا ذنب لي في قبول الله قرباني ؟ أما إني أتقيه وكنَت علي لأحب الخلق . و { إنما يتقبل الله من المتقين } .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق : وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ إنها اتقاء الشرك ، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة ، وأما المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والحتم بالرحمة ، علم ذلك بأخبار الله تعالى ، لا أن ذلك يجب على الله تعالى عقلاً ، وقال عدي بن ثابت وغيره : قربان متقي هذه الأمة الصلاة .


[4508]:- قال القرطبي: "القول ما ذكرناه من أن آدم كان يزوج غلام هذا البطن لجارية تلك البطن والدليل على هذا من الكتاب قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء}، وهذا كالنص". هذا وذكر أن أخت قابيل الجميلة اسمها: إقليمياء، وأن أخت هابيل اسمها: ليوذا.