المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّـٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (176)

176- ولو شئنا رفعه إلى منازل الأبرار لرفعناه إليها ، بتوفيقه للعمل بتلك الآيات ، ولكنه تعلق بالأرض ولم يرتفع إلى سماء الهداية ، واتبع هواه ، فصار حاله في قلقه الدائم ، وانشغاله بالدنيا ، وتفكيره المتواصل في تحصيلها كحال الكلب في أسوأ أحواله عندما يلهث دائما ، إن زجرته أو تركته ، إذ يندلع لسانه من التنفس الشديد ، وكذلك طالب الدنيا يلهث وراء متعه وشهواته دائما . إن ذلك الوصف الذي اتصف به المنسلخ من آياتنا ، هو وصف جميع الذين كذبوا بآياتنا المنزلة . فاقصص عليهم قصصه ليتفكروا فيؤمنوا{[70]} .


[70]:أوردت هذه الآية ظاهرة مشاهدة، وهي أن الكلب يلهث سواء حملت عليه أم لم تحمل، وقد أثبت العلم أن الكلب لا توجد فيه غدد عرقية إلا القليل في باطن أقدامه والتي لا تفرز من العرق ما يكفي لتنظيم درجة حرارة جسمه، ولذلك فإنه يستعين عن نقص وسائل تنظيم الحرارة باللهث، وهو ازدياد عدد مرات تنفسه زيادة كبيرة عن الحالة العادية مع تعويض مساحة أكبر من داخل الجهاز التنفسي كاللسان والسطح الخارجي من فمه.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّـٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (176)

وقوله { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } كلام مستأنف مسوق لبيان ما ذكر من الانسلاخ وما يتبعه .

والضمير في قوله { لَرَفَعْنَاهُ } يعود إلى الشخص المعبر عنه بالاسم الموصول { الذي } والضمير في قوله { بِهَا } يعود إلى الآيات . ومفعول المشيئة محذوف .

أى : ولو شئنا رفعه بسبب تلك الآيات إلى درجات الكمال والعرفان لرفعنان لأننا لا يستعصى على قدرتنا شىء ، ولكننا لم نفعل ذلك لأن سنتنا جرت أن نرفع من عنده الاستعداد لذلك أما الذين استحبوا العمى على الهدى فنذرهم في ضلالهم يعمهون .

وقد بين القرآن هذا المعنى في قوله : { ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض واتبع هَوَاهُ } أخلد إلى الأرض : أى ركن إليها . وأصل الإخلاد اللزوم للمكان من الخلود .

أى : ولو شئنا لرفعنا هذا الإنسان إلى منازل الأبرار بسبب تلك الآيات ولكنه هو الذي ركن إلى الدنيا ، واطمأن بها ، واستحوذت بشهواتها على نفسه ، واختار لنفسه طريق التسفل المنافى للرفعة ، واتبع هواه في ذلك فلم ينتفع بشىء من الآيات التي آتيناه إياه .

أى : أن مقتضى هذه الآيات أن ترفع صاحبها إلى أعلى عليين ، ولكن هذا المقتضى عارضه مانع وهو إخلاد من أتى هذه الآيات إلى الأرض واتباعه للهوى ، فتغلب المانع على المقتضى ، فهو كما قال القائل :

قالوا فلان عالم فاضل . . . فأكرموه مثلما يقتضى

فقلت : لما لم يكن عاملا . . . تعارض المانع والمقتضى

قال الآلوسى : وما ألطف نسبة إتيان الآيات والرفع إليه - تعالى - ونسبة الانسلاخ والإخلاد إلى العبد ، مع أن الكل من الله - تعالى - ، أذ فيه من تعليم العباد حسن الأدب ما فيه . ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم " اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك " .

وقوله { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } .

اللهث : إدلاع اللسان بالنفس الشديد . يقال : لهث الكلب يلهث - كسمع ومنع - لهثا ولهاثا ، إذا أخرج لسانه في التنفس .

والمعنى : فمثل هذا الإنسان الذي آتيناه فانسلخ منها وأصبح إيتاء الآيات وعدمها بالنسبة له سواء ، مثله كمثل الكلب إن شددت عليه وأتبعته لهث ، وإن تركته على حاله لهث - أيضا - ، فهو دائم اللهث في الحالين . لأن اللهث طبيعة فيه ، وكذلك حال الحريص على الدنيا ، المعرض عن الآيات بعد إيتائها ، إن وعظته فهو لإيثاره الدنيا على الآخرة لا يقبل الوعظ ، وإن تركت وعجه فهو حريص - أيضا - على الدنيا وشهواتها .

والإشارة في قوله { ذَّلِكَ مَثَلُ القوم } إلى وصف الكلب أو إلى المنسلخ من الآيات ، أى : ذلك المثل البعيد الشأن في الغرابة مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من الجاحدين المستكبرين المنسلخين عن الهدى بعد أن كان في حوزتهم .

وقوله { اقصص القصص لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أى : إذا ثبت ذلك ، فاقصص على قومك أيها الرسول الكريم المقصوص عليك من جهتنا لعلهم يتفكرون فينزجرون عما هم عليه من الكفر والضلال .

والفاء في قوله { اقصص } لترتيب ما بعدها على ما قبلها . والقصص مصدر بمعنى اسم المفعول ، واللام فيه للعهد ، وجملة الترجى في محل نصب على أنها حال من ضمير المخاطب أو في موضع المفعول له . أى فاقصص القصص راجيا لتفكرهم ، أو رجاءً لتفكرهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّـٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (176)

وقوله تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } يقول تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } أي : لرفعناه من التدنس عن{[12393]} قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها ، { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ } أي : مال إلى زينة الدنيا وزهرتها ، وأقبل على لذاتها ونعيمها ، وغرّته كما غرت غيره من غير أولي البصائر{[12394]} والنهى .

وقال أبو الزاهرية في قوله تعالى : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ } قال : تراءى له الشيطان على غَلْوة من قنطرة بانياس ، فسجدت الحمارة لله ، وسجد بلعام للشيطان . وكذا قال عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَير ، وغير واحد .

/خ176

وقوله تعالى : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ } اختلف المفسرون في معناه{[12395]} فأما على سياق ابن إسحاق ، عن سالم بن أبي النضر : أن بلعاما اندلع لسانه على صدره - فتشبيهه بالكلب في لهثه{[12396]} في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك . وقيل : معناه : فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه ، وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء ، كالكلب في لهثه{[12397]} في حالتيه ، إن حملت عليه وإن تركته ، هو يلهث في الحالين ، فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه ؛ كما قال تعالى : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] ، { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] ونحو ذلك .

وقيل : معناه : أن قلب الكافر والمنافق والضال ، ضعيف فارغ من الهدى ، فهو كثير الوجيب{[12398]} فعبر عن هذا بهذا ، نقل نحوه عن الحسن البصري وغيره .

وقوله تعالى : { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ } أي : لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام ، وما جرى له في إضلال الله إياه وإبعاده من رحمته ، بسبب أنه استعمل نعمة الله عليه - في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب - في غير طاعة ربه ، بل دعا به على حزب الرحمن ، وشعب الإيمان ، أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان ، كليم الله موسى بن عمران ، [ عليه السلام ]{[12399]} ؛ ولهذا قال : { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أي : فيحذروا أن يكونوا مثله ؛ فإن الله قد أعطاهم علمًا ، وميزهم على من عداهم من الأعراب ، وجعل بأيديهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم ، فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته ومؤازرته ، كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به ؛ ولهذا من خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد ، أحل الله به ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة .


[12393]:في أ: "من".
[12394]:في أ: "الأبصار".
[12395]:في أ: "في معنى هذا".
[12396]:في د، ك، م: "لهيثه".
[12397]:في د، ك، م، "لهيثه".
[12398]:في أ: "الوجيف".
[12399]:زيادة من ك.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّـٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (176)

{ ولو شئنا لرفعناه } إلى منازل الأبرار من العلماء . { بها } بسبب تلك الآيات وملازمتها . { ولكنه أخلد إلى الأرض } مال إلى الدنيا أو إلى السفالة . { واتبع هواه } في إيثار الدنيا واسترضاء قومه وأعرض عن مقتضى الآيات ، وإنما علق رفعه بمشيئة الله تعالى ثم استدرك عنه بفعل العبد ، تنبيها على أن المشيئة سبب لفعله الموجب لرفعه وأن عدمه دليل عدمها دلالة انتفاء المسبب على انتفاء سببه ، وأن السبب الحقيقي هو المشيئة وأن ما نشاهده من الأسباب وسائط معتبرة في حصول المسبب من حيث أن المشيئة تعلقت به كذلك ، وكان من حقه أن يقول ولكنه أعرض عنها فأوقع موقعه { أخلد إلى الأرض واتبع هواه } ، مبالغة وتنبيها على ما حمله عليه وأن حب الدنيا رأس كل خطيئة . { فمثله } فصفته التي هي مثل في الخسة . { كمثل الكلب } كصفته في أخس أحواله وهو { إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } أي يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد أو ترك ولم يتعرض له ، بخلاف سائر الحيوانات لضعف فؤاده . واللهث إدلاع اللسان من التنفس الشديد والشرطية في موضع الحال والمعنى . لاهثا في الحالتين ، والتمثيل واقع موقع لازم التركيب الذي هو نفي الرفع ووضع المنزلة للمبالغة والبيان . وقيل لما دعا على موسى صلى الله عليه وسلم خرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كالكلب . { ذلك مثل القوم الذين كذّبوا بآياتنا فاقصص القصص } القصة المذكورة على اليهود فإنها نحو قصصهم . { لعلهم يتفكرون } تفكرا يؤدي بهم إلى الاتعاظ .