ويدل للقول الأوّل قوله تعالى :
{ ولو شئنا لرفعناه } أي : منازل الأبرار { بها } أي : بسبب تلك الآيات { ولكنه أخلد إلى الأرض } أي : مال إلى الدنيا ، قال البيضاوي : أو السفالة ، قال الجوهري : السفالة بالضم نقيض العلو ، وبالفتح النذالة { واتبع هواه } أي : في آثار الدنيا ، واسترضى قومه ، وأعرض عن مقتضى الآيات ، وإنما علق رفعه بمشيئة الله تعالى ، ثم استدرك عنه بفعل العبد تنبيهاً على أنّ المشيئة سبب لفعله الموجب لرفعه ، وأنّ عدمه دليل عدمها دلالة انتفاء المسبب على انتفاء سببه ، وأنّ السبب الحقيقي هو المشيئة ، وأن ما نشاهده من هذه الأسباب وسائط معتبرة في حصول المسبب من حيث أن المشيئة تعلقت به كذلك .
وكان مقتضى ظاهر الكلام أن يقول : ولكنه أعرض عنها ، فأوقع موقعه ( أخلد إلى الأرض ، واتبع هواه ) مبالغة وتنبيهاً على ما حمله عليه ، وأن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، وهذه الآية من أشدّ الآيات على أصحاب العلم ، وذلك لأنه بعد أن خص هذا الرجل بآياته ، وعلمه الاسم الأعظم وخصه بالدعوات المستجابة لما اتبع الهوى انسلخ من الدين ، فصار في درجة الكلب ، وذلك يدل على أن كل من كانت نعم الله تعالى في حقه أكثر ، فإذا أعرض عن متابعة الهدى ، وأقبل على متابعة الهوى كان بعده عن الله أعظم ، وإليه الإشارة بقوله : ( من ازداد علماً ولم يزدد هدى فلم يزدد من الله إلا بعداً ) { فمثله } أي : فصفته التي هي مثل في الخسة { كمثل الكلب } أي : كمثله في أخس أوصافه وهو { إن تحمل عليه } أي : بالطرد والزجر { يلهث } أي : يدلع لسانه { أو } إن { تتركه يلهث } فهو يلهث دائماً سواء حمل عليه بالزجر والطرد أو ترك ، وليس غيره من الحيوان كذلك ، قيل : كل شيء يلهث إنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب ، فإنه يلهث في حال الكلال والراحة ؛ لأنّ اللهث طبيعة أصلية فيه ، ف( كذلك ) حال من كذب بآيات الله إن وعظته فهو ضال ، وإن تركته فهو ضال ، وكذلك حال الحريص على الدنيا إن وعظته فهو حريص لا يقبل الوعظ ولا ينجع فيه ، وإن تركته ولم تعظه فهو حريص أيضاً ؛ لأنّ الحرص على طلب الدنيا صار طبيعة له لازمة كما أن اللهث طبيعة لازمة للكلب .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ( الكلب منقطع الفؤاد يلهث إن حمل عليه أو لم يحمل عليه ) ، ومحل الجملة الشرطية النصب على الحال كأنه قيل : كمثل الكلب ذليلاً دائم الذلة لاهثاً في الحالتين .
وقيل : لما دعا بلعم على موسى عليه السلام خرج لسانه فوقع على صدره ، وجعل يلهث كما يلهث الكلب { ذلك } أي : المثل { مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا } فعم بهذا المثل جميع من كذب بآيات الله وجحدها ، ووجه التمثيل بينهم وبين الكلب اللاهث أنهم إذا جاءتهم الرسل ليهدوهم لم يهتدوا بل هم في ضلال على كل حال { فاقصص القصص } أي : فأخبر يا محمد قومك بهذه الأخبار التي سبقت بها مواقع الوقائع وآثار الأعيان حتى لم تدع في شيء منها لبساً على كل من يسمع لك من اليهود وغيرهم { لعلهم يتفكرون } أي : يتدبرون فيها فيؤمنون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.