{ ولو شئنا لرفعناه } إلى منازل الأبرار { بها } أي بتلك الآيات { ولكنه أخلد إلى الأرض } أصل الإخلاد اللزوم على الدوام فكأنه قيل : لزم الميل إلى الأرض ومنه أخلد فلان بالمكان إذا لزم الإقامة به . قال ابن عباس : معناه مال إلى الدنيا . وقاتل مقاتل : رضي بالدنيا . وقال الزجاج : سكن إلى الدنيا . وقال الواحدي : فهؤلاء فسروا الأرض بالدنيا لأن ما في الدنيا من الضياع والعقار كلها أرض وسائر أمتعتها من المعادن والنبات والحيوان يستخرج من الأرض وبها يكمل ويقوى ، ومعنى قوله { واتبع هواه } أنه أعرض عن التمسك بما آتاه من الآيات ، ثم إنه لو جاء الكلام على ظاهره لقيل : ولو شئنا لرفعنا بها ولكنا لم نشأ إلا أن قوله { ولكنه أخلد إلى الأرض } لما دل على هذا المعنى لا جرم أقيم مقامه . قالت الأشاعرة : لفظة «لو » تدل على أن الله تعالى قد لا يريد الإيمان ويريد الكفر . وقال الجبائيّ : معناه ولو شئنا لرفعناه بأعماله بأن يحترمه ونزيل التكليف عنه قبل ذلك الكفر حتى تسلم له الرفعة لكنا عرضناه بزيادة التكليف لمنزلة زائدة فأبى أن يستمر على الإيمان ، أو المراد لو شئنا لرفعناه بأن نحول بينه وبين الكفر قهراً أو جبراً إلا أن ذلك ينافي التكليف فلا جرم تركناه مع اختياره . وقال صاحب الكشاف : ومعناه لو لزم العمل بالآيات ولم ينسلخ منها لرفعناه بها ، وذلك أن مشيئة الله تعالى رفعه تابعة للزومه الآيات فذكرت المشيئة والمراد ما هي تابعة له ومسببة عنه كأنه قيل : ولو لزمها لرفعناه بها ألا ترى إلى قوله { ولكنه أخلد إلى الأرض } فاستدرك المشيئة بإخلاده الذي هو فعله فوجب أن يكون { ولو شئنا } في معنى ما هو فعله . ثم وضع قوله { فمثله كمثل الكلب } موضع فحططناه أبلغ حط لأن تمثيله بالكلب في أخس أحواله وأذلها في هذا المعنى ومحل قوله { أن تحمل عليه } النصب على الحل كأنه قيل : كمثل الكلب ذليلاً دائم الذلة لاهثاً في الحالين ، ويجوز أن يكون تفسيراً للمثل كما مر . قال الليث : اللهث هو أن الكلب ونحوه إذا ناله الإعياء عند شدّة العدو وعند شدّة الحر فإنه يدلع لسانه من العطش ، وكل شيء يلهث فإنه يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب اللاهث فإنه يلهث في جميع أحواله لا لحاجة وضرورة بل لطبيعته الخسيسة . فمعنى الآية أن هذا الكلب إن شدّ عليه وهيج لهث ، وإن ترك لهث أيضاً لأجل أن ذلك الفعل القبيح طبيعة أصلية له . عن ابن عباس : الكلب منقطع الفؤاد يلهث إن حمل عليه أو لم يحمل عليه . قيل : لما دعا بلعم على موسى خرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كما يلهث الكلب فيكون هذا وجه التمثيل . واعلم أن التمثيل ما وقع بجميع الكلاب وإنما وقع بالكلب اللاهث وأخس الحيوانات هو الكلب وأخس الكلاب هو اللاهث ، وإن الرجل إذا توسل بعلمه إلى طلب الدنيا فذلك إنما يكون لأجل أن يورد عليهم أنواع علومه ويظهر عندهم فضائل نفسه ومناقبها ، ولا شك أنه عند ذكر تلك الكلمات يدلع لسانه ويخرجه لأجل ما تمكن من قلبه من حرارة الحرص وشدة العطش إلى الفوز بالدنيا فكانت حاله شبيهة بحال ذلك الكلب الذي أخرج لسانه أبداً من غير حاجة ولا ضرورة بل لمجرد الطبيعة الجسدية . وأيضاً هذا الحريص الضال إن وعظته فهو ضال وإن لم تعظه فهو ضال لأجل أن ذلك الضلال والخسار عادة أصيلة وطبيعة ذاتية له كما أن ذلك الكلب إن شدّ عليه لهث وإن ترك لهث . ثم عمم بالتمثيل جميع المكذبين الضالين فقال { ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا } وقال ابن عباس : يريد أهل مكة كانوا يتمنون هادياً يهديهم وداعياً يدعوهم إلى طاعة الله ، ثم لما جاءهم من لا يشكون في صدقه وديانته كذبوه . وقيل : هم اليهود قرأوا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة وذكر القرآن المعجز وما فيه وبشروا الناس باقتراب مبعثه وكانوا يستفتحون به فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به . { فاقصص القصص } يريد قصص المكذبين أو قصص بلعم الذي هو نحو قصص المكذبين { لعلهم يتفكرون } فيحذرون مثل عاقبته إذ ساروا نحو سيرته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.