مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّـٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (176)

{ وَلَوْ شِئْنَا لرفعناه } إلى منازل الأبرار من العلماء { بِهَا } بتلك الآيات { ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض } مال إلى الدنيا ورغب فيها { واتبع هَوَاهُ } في إيثار الدنيا ولذاتها على الآخرة ونعيمها { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ } أي تزجره وتطرده { يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ } غير مطرود { يَلْهَثْ } والمعنى فصفته التي هي مثل في الخسة والضعة كصفة الكلب في أخس أحواله وأذلها وهي حال دوام اللهث به ، سواء حمل عليه أي شد عليه وهيج فطرد ، أو ترك غير متعرض له بالحمل عليه ، وذلك أن سائر الحيوان لا يكون منه اللهث إلا إذا حرك ، أما الكلب فيلهث في الحالين فكان مقتضى الكلام أن يقال : ولكنه أخلد إلى الأرض فحططناه ووضعناه منزلته ، فوضع هذا التمثيل موضع فحططناه أبلغ حط . ومحل الجملة الشرطية النصب على الحال كأنه قيل : كمثل الكلب ذليلاً دائم الذلة لاهثاً في الحالين . وقيل : لما دعا بلعم على موسى خرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كما يلهث الكلب . وقيل : معناه هو ضال وعظ أو ترك . وعن عطاء : من علم ولم يعمل فهو كالكلب ينبح إن طرد أو ترك { ذلك مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا } من اليهود بعد أن قرءوا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة وذكر القرآن المعجز وما فيه وبشروا الناس باقتراب مبعثه { فاقصص القصص } أي قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } فيحذرون مثل عاقبته إذا ساروا نحو سيرته