قوله : { وَلَوْ شِئْنَا لرفعناه بِهَا } الضمير يعود إلى الذي أوتي الآيات ، والمعنى : لو شئنا رفعه : بما آتيناه من الآيات لرفعناه بها ، أي بسببها ، ولكن لم نشأ ذلك لانسلاخه عنها ، وتركه للعمل بها . وقيل المعنى : ولو شئنا لأمتناه قبل أن يعصي فرفعناه إلى الجنة بها ، أي بالعمل بها { ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض } أصل الإخلاد : اللزوم ، يقال أخلد فلان بالمكان إذا قام به ولزمه ، والمعنى هنا : أنه مال إلى الدنيا ورغب فيها ، وآثرها على الآخرة { واتبع هَوَاهُ } أي : اتبع ما يهواه ، وترك العمل بما يقتضيه العلم الذي علمه الله ، وهو حطام الدنيا . وقيل : كان هواه مع الكفار . وقيل : اتبع رضا زوجته ، وكانت هي التي حملته على الانسلاخ من آيات الله .
قوله : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب } أي : فصار لما انسلخ عن الآيات ولم يعمل بها منحطاً إلى أسفل رتبة ، مشابهاً لأخس الحيوانات في الدناءة مماثلاً له في أقبح أوصافه ، وهو أنه يلهث في كلا حالتي قصد الإنسان له وتركه . فهو لاهث سواء زجر أو ترك ، طرد أو لم يطرد ، شدّ عليه أو لم يشد عليه ، وليس بعد هذا في الخسة والدناءة شيء ، وجملة { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } في محل نصب على الحال ، أي مثله كمثل الكلب حال كونه متصفاً بهذه الصفة ، والمعنى : أن هذا المنسلخ عن الآيات لا يرعوي عن المعصية في جميع أحواله ، سواء وعظه الواعظ ، وذكره المذكر ، وزجره الزاجر ، أو لم يقع شيء من ذلك . قال القتيبي : كل شيء يلهث ، فإنما يلهث من إعياء أو عطش ، إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال ، وحال الراحة ، وحال المرض ، وحال الصحة ، وحال الري ، وحال العطش . فضربه الله مثلاً لمن كذب بآياته ؛ فقال : إن وعظته ضلّ ، وإن تركته ضلّ ، فهو كالكلب إن تركته لهث ، وإن طردته لهث ، كقوله تعالى : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صامتون } واللهث : إخراج اللسان لتعب أو عطش أو غير ذلك . قال الجوهري : لهث الكلب بالفتح يلهث لهثاً ولهاثاً بالضم إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش ، وكذلك الرجل إذا أعيا . قيل معنى الآية : أنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هارباً ، وإن تركته شدّ عليك ونبح ، فيتعب نفسه مقبلاً عليك ومدبراً عنك ، فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان . والإشارة بقوله ذلك إلى ما تقدّم من التمثيل بتلك الحالة الخسيسة . وهو مبتدأ وخبره { مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بآياتنا } أي : ذلك المثل الخسيس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من اليهود ، بعد أن علموا بها وعرفوها ، فحرفوا وبدّلوا ، وكتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوا بها { فاقصص القصص } أي فاقصص عليهم هذا القصص الذي هو صفة الرجل المنسلخ عن الآيات ، فإن مثله المذكور كمثل هؤلاء القوم المكذبين من اليهود الذي تقص عليهم { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } في ذلك ويعملون فيه أفهامهم ، فينزجرون عن الضلال ، ويقبلون على الصواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.