فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (116)

قوله : { وَإِذْ قَالَ الله } معطوف على ما قبله في محل نصب بعامله أو بعامل مقدّر ، هنا : أي اذكر . وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذا القول منه سبحانه هو يوم القيامة . والنكتة توبيخ عباد المسيح وأمه من النصارى . وقال السديّ وقطرب : إنه قال له هذا القول عند رفعه إلى السماء ، لما قالت النصارى فيه ما قالت ، والأوّل أولى : قيل { وَإِذْ } هنا بمعنى إذا كقوله تعالى : { وَلَوْ ترى إِذْ فَزِعُواْ } أي إذا فزعوا ، وقول أبي النجم :

ثم جزاك الله عني إذ جزى *** جنات عدن في السموات العلى

أي إذا جزى ، وقول الأسود بن جعفر الأسدي :

في الآن إذ هازلتهنّ فإنما *** يقلن ألا لم يذهب الشيخ مذهبا

أي إذا هازلتهنّ تعبيراً عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقيق وقوعه . وقد قيل في توجيه هذا الاستفهام منه تعالى إنه لقصد التوبيخ كما سبق . وقيل : لقصد تعريف المسيح بأن قومه غيروا بعده وادّعوا عليه ما لم يقله . وقوله : { مِن دُونِ الله } متعلق بقوله : { اتخذوني } على أنه حال : أي متجاوزين الحدّ ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لإلهين ، أي كائنين من دون الله . قوله : { سبحانك } تنزيه له سبحانه ، أي أنزهك تنزيهاً { مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقّ } أي ما ينبغي لي أن أدّعي لنفسي ما ليس من حقها { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } ردّ ذلك إلى علمه سبحانه ، وقد علم أنه لم يقله ، فثبت بذلك عدم القول منه . قوله : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } هذه الجملة في حكم التعليل لما قبلها : أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ، وهذا الكلام من باب المشاكلة كما هو معروف عند علماء المعاني والبيان . وقيل المعنى : تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك . وقيل تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه . وقيل : تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد .

/خ120