الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (116)

قوله : { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس } الآية [ 118 ] .

المعنى : واذكر إذ قال { الله }{[18941]} . وجماعة من المفسرين على أن الله أخبرنا أنه قال لعيسى حين{[18942]} رفعه إليه ، قاله السدي وغيره{[18943]} .

وقيل : هو خبر من الله عما{[18944]} يكون في القيامة ، قال ابن جريج : يقول ذلك لعيسى والناس يسمعون ، فيراجعه بالإقرار والعبودية ، فيعلم من كان يقول في عيسى ما يقول أنه إنما كان باطلا{[18945]} .

ودل قوله : { هذا يوم{[18946]} ينفع الصادقين{[18947]} } على أنه يوم القيامة{[18948]} . و( إذ ) – على هذا{[18949]} – بمعنى ( إذ ) ، ويكون { قال } بمعنى{[18950]} ( يقول ){[18951]} كما قال : { ولو ترى إذ فزعوا }{[18952]} أي : إذا{[18953]} ( فزعوا ){[18954]} وإذ يفزعون{[18955]} .

والمسألة في قوله : { أأنت قلت } إنما هي على وجه التوبيخ للذين ادعوا عليه ذلك ، وهم بنو إسرائيل{[18956]} .

واختار الطبري قول السدي أنه خبر قد كان حين رفعه الله إليه ، لأن ( إذ ){[18957]} { في }{[18958]} ( الأغلب ){[18959]} من كلام العرب – لما مضى – فحمل الكلام على الأكثر الفاشي أولى ، ولأن عيسى لا يشك{[18960]} – هو ولا أحد من الأنبياء{[18961]} – أن الله لا يغفر لمن{[18962]} مات على شركه ، فيجوز{[18963]} أن يتوهم على عيسى أنه قال في الآخرة – مجيبا لربه{[18964]} إذ{[18965]} سأله عمن{[18966]} اتخذه ( هو ){[18967]} وأمه إلهين{[18968]}{ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }{[18969]} .

ووجه سؤال الله لعيسى عما قد علم أنه لم يفعله : هو على معنى تنبيه المسؤول{[18970]} على الاستعظام ، كقولك للرجل : ( أفعلت كذا وكذا ؟ ) – وأنت تعلم أنه لم يفعله{[18971]} - / ليستعظم فعل ما قد سألته عنه{[18972]} ، وقيل : إنما سأله عن ذلك على وجه إعلامه أن أمته قد فعلت ذلك بعده ، فأعلمه حالهم بعده{[18973]} .

ومعنى : { تعلم ما في نفسي } أي : تعلم غيبي ، ولا أعلم غيبك حتى تُطلِعَني عليه ، { إنك أنت علام الغيوب } أي : علام الخفيات من الأمور{[18974]} . وقيل : المعنى : تعلم حقيقتي ولا أعلم ( غيبك ){[18975]} ولا حقيقتك{[18976]} .

والنفس – في كلام العرب – يجري{[18977]} على ضربين :

على النفس التي بخروجها يكون الموت ، كقولك : ( خرجت نفس فلان ) أي : مات .

ويكون جملة الشيء وحقيقته ، تقول : ( قتل فلان نفسه ) ، فليس المعنى ( أن ){[18978]} الهلاك وقع ببعضه ، إنما وقع بذاته{[18979]} كلها وحقيقته{[18980]} . وأجاز بعضهم الوقف على ( ما ليس { لي }{[18981]} ) ، ويكون { بحق } متعلقا ب { علمته }{[18982]} على معنى : فقد علمته بحق ، ورد ذلك بعضهم{[18983]} ، لأن التقديم والتأخير لا يجوز إلا بتوقيف أو فيما { لا }{[18984]} يمكن إلا ذلك{[18985]} .

والتمام عند نافع وغيره { بحق }{[18986]} . وكذلك روي أن{[18987]} النبي صلى الله عليه وسلم وقف{[18988]} عليه{[18989]} .


[18941]:ساقطة من ب ج د. و(قال أبو عبيدة: (إذ) زائدة، وقال غيره: بمعنى (إذا). والظاهر أنها على أصيل وضعها (انظر: تفسير البحر 4/58، وروح المعاني 3/64.
[18942]:ب: خير.
[18943]:انظر: تفسير الطبري 11/234، والمحرر 5/239.
[18944]:ب: عن ما.
[18945]:وهو قول ميسرة وقتادة أيضا في تفسير الطبري 11/234 و235.
[18946]:قرأها (نافع وحده ... نصبا) السبعة 250.
[18947]:ب ج د: الصادقين صدقهم.
[18948]:هذا استدلال قتادة القائل بقول ابن جريج في تفسير الطبري 11/235.
[18949]:(التأويل الذي تأوله ابن جريج) انظر: تفسير الطبري 11/235.
[18950]:ب: معى.
[18951]:انظر: غريب ابن قتيبة 149، وإعراب النحاس 1/531.
[18952]:سبأ 51.
[18953]:ب: إذ.
[18954]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها: يفزعون.
[18955]:انظر: تفسير الطبري 11/235.
[18956]:انظر: تفسير الطبري 11/237، ومعاني الزجاج 2/222.
[18957]:ب: إذا.
[18958]:ساقطة من ب.
[18959]:أ: الأعاب.
[18960]:مطموسة في أ. د: نشك.
[18961]:ب ج د: أنبياء الله.
[18962]:ب ج د: لمشرك.
[18963]:مخرومة في أ.
[18964]:د: له به.
[18965]:ب ج د: إذا.
[18966]:د: عمل.
[18967]:ساقطة من ب ج د.
[18968]:ب: الأمين.
[18969]:المائدة: 120. وانظر: تفسيره 11/236.
[18970]:الظاهر من الخرم في (أ) أنها كما أثبت. ب ج د: السوال.
[18971]:كلها مطموسة إلا نادرا مع بعض الخرم.
[18972]:ب: عند. وانظر: مجاز أبي عبيدة 1/183 و184.
[18973]:القولان في (وجه سؤال الله لعيسى): احتمالان من التأويل في تفسير الطبري 11/236، 237.
[18974]:انظر: تفسير الطبري 11/238.
[18975]:ساقطة من ب.
[18976]:انظر: معاني الزجاج 2/222، وإعراب النحاس 1/532.
[18977]:مطموسة في أ. ج: يجزي.
[18978]:ساقطة من ب.
[18979]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها: بذاتها.
[18980]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب ج د: تحقيقته. وانظر: معاني الزجاج 2/222 و223.
[18981]:ساقطة من ج.
[18982]:((بحق فقد علمته) حسن) المقصد 33.
[18983]:هو النحاس في كتابه القطع 299.
[18984]:ساقطة من ج.
[18985]:(لأن التقديم والتأخير مجاز) القطع 299.
[18986]:ساقطة من ب ج د. ولم ينسبه النحاس في إعرابه 1/533 إلى قائله. وعزاه إلى نافع في القطع والإئتناف 299.
[18987]:ج د: عن.
[18988]:ج د: أنه وقف.
[18989]:انظر: القطع 299 و300.