مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدٗا وَحَصُورٗا وَنَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (39)

{ فَنَادَتْهُ الملائكة } قيل : ناداه جبريل عليه السلام . وإنما قيل «الملائكة » لأن المعنى أتاه النداء من هذا الجنس كقولهم «فلان يركب الخيل » .

«فناديه » بالياء والإمالة : حمزة وعلي { وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي المحراب } وفيه دليل على أن المرادات تطلب بالصلوات ، وفيها إجابة الدعوات وقضاء الحاجات . وقال ابن عطاء : ما فتح الله تعالى على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر وإخلاص الطاعات ولزوم المحاريب . { إِنَّ الله } بكسر الألف : شامي وحمزة وعلى إضمار القول ، أو لأن النداء قول . الباقون : بالفتح أي بأن الله { يُبَشّرُكَ } «يبشرك » وما بعده : حمزة وعلي من بشره والتخفيف والتشديد لغتان { بيحيى } هو غير منصرف إن كان عجمياً وهو الظاهر فللتعريف والعجمة كموسى وعيسى ، وإن كان عربياً فللتعريف ووزن الفعل ك «يعمر » { مُصَدِّقاً } حال منه { بِكَلِمَةٍ مّنَ الله } أي مصدقاً بعيسى مؤمناً به فهو أول من آمن به . وسمي عيسى كلمة الله لأن تكون ب «كن » بلا أب ، أو مصدقاً بكلمة من الله مؤمناً بكتاب منه { وَسَيّدًا } هو الذي يسود قومه أي يفوقهم في الشرف ، وكان يحيى فائقاً على قومه لأنه لم يركب سيئة قط ويا لها من سيادة . وقال الجنيد : هو الذي جاد بالكونين عوضاً عن المكون { وَحَصُورًا } هو الذي لا يقرب النساء مع القدرة حصراً لنفسه أي منعاً لها من الشهوات { وَنَبِيّاً مِّنَ الصالحين } ناشئاً من الصالحين لأنه كان من أصلاب الأنبياء أو كائناً من جملة الصالحين .