الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدٗا وَحَصُورٗا وَنَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (39)

قوله : ( فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ )( {[9849]} ) .

قال قتادة وغيره : جبريل ناداه( {[9850]} ) .

وأكثر الناس على أن الجماعة من الملائكة نادوه( {[9851]} ) .

ومن أنَّثَ فلتأنيث الجماعة ومطابقة اللفظ( {[9852]} ) .

ومن ذَكَّر فعلى المعنى ، ولتذكر الجمع( {[9853]} ) .

ومن كسر ( إن ) أجرى النداء( {[9854]} ) مجرى القول( {[9855]} ) .

[ وفي قراءة عبد الله : يا زكريا إن الله ، فهذا يدل على إضمار القول( {[9856]} ) ] .

ومن فتح : أعمل النداء لأنه فعل .

وسمي يحيى بيحيى لأن الله أحياه بالإيمان( {[9857]} ) .

قوله : ( مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ) ، أي : بعيسى ابن بنت خالته " ( {[9858]} ) .

وقيل : بابن خالته هو( {[9859]} ) .

قال الضحاك وغيره ، كان أول من صدق بعيسى يحيى( {[9860]} ) .

قال ابن عباس : كانت أم يحيى تقول لمريم : إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك ، فذلك تصديقه بعيسى وتقدمه في ذلك ، ويحيى أكبر من عيسى( {[9861]} ) .

وقال أبو عبيدة : ( بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ) ، أي : بكتاب من الله( {[9862]} ) وأكثر المفسرين على أن الكلمة عيسى( {[9863]} ) .

وسمي كلمة لأن الناس يهتدون به .

ويجوز أن يكون سمي كلمة لأنه من غير ذكر بقوله : " كن " أي : فهذه الكلمة( {[9864]} ) .

والسيد : الشريف في العلم والعبادة( {[9865]} ) .

وقال الضحاك : السيد الحليم التقي( {[9866]} ) .

وقال مجاهد السيد : الكريم( {[9867]} ) .

وقال عكرمة ، وابن زيد : ( السيد )( {[9868]} ) الذي لا يغلبه الغضب( {[9869]} ) ( وَحَصُوراً )( {[9870]} ) ممتنعاً من جماع النساء لا يشتهيهن( {[9871]} ) .

وقيل : الحصور الذي لا يولد له ، وليس له ماء( {[9872]} ) .

وقيل : الهيوب( {[9873]} ) .

وقال ابن عباس : هو الذي لا ينزل الماء( {[9874]} ) .

وقال ابن المسيب : كان يحيى حصوراً معه مثل الهُدْبَة( {[9875]} ) .

وقيل : الحصور هنا هو الذي لا يأتي الذنوب كأنه محصور( {[9876]} ) عنها أي : ممنوعاً منها( {[9877]} ) .

قال مالك : بلغني أن يحيى إنما قتل في امرأة ، وأن بختنصر لما دخل( {[9878]} ) بيت المقدس بعد زمان طويل ، وجد دمه يفور لا يطرح عليه تراب ولا شيء إلا فار فسأل بني إسرائيل عن ذلك فقالوا : لا علم لنا ، هكذا وجدناه ، وأخبرنا آباؤنا بأنهم هكذا وجدوه ، فقال بختنصر : هذا دم مظلوم ، ولأقتلن عليه ، فقتل عليه سبعين( {[9879]} ) ألفاً من المسلمين والكفار ، فهدأ بعد ذلك( {[9880]} ) .

وروي أن امرأة كانت طلبته فامتنع ، فاشتكت إلى صاحبها أنه طلبها فقتله .

وروي أن جباراً من الجبابرة استفتاه : هل يتزوج بنت أخيه ؟ فمنعه من ذلك ، فسعت( {[9881]} ) ابنة أخيه في قتله فقتل بها( {[9882]} ) .

قال ابن شهاب : كان يحيى ابن خالة عيسى( {[9883]} ) وكان أكبر من عيسى . قال مجاهد : كان طعام يحيى العشب ، وإن كان ليبكي من خشية الله ما لو كان القار على عينيه يحرقه ، ولقد كان الدمع اتخذ( {[9884]} ) مجرى في خدِّه( {[9885]} ) .

وقال أبو عبيدة ، الكلمة هنا : الكتاب( {[9886]} ) يعني التوراة( {[9887]} ) ، ولا يجوز أن يكون عيسى كلمة الله على الحقيقة لأنه مخلوق ، وكلمة الله غير مخلوقة( {[9888]} ) .


[9849]:- فنادته وناداه الوجهان جائزان لأن الجماعة يلحقها اسم التأنيث ويجوز أن يعبر عنها بلفظ التذكير، ويجوز أن تقول نادته الملائكة وإنما ناداه جبريل وحده، لأن المعنى أتاه النداء من هذا الجنس. انظر: معاني الفراء 1/210، ومعاني الزجاج 1/405.
[9850]:- انظر: جامع البيان 3/249.
[9851]:- (ج) (د): ناداه.
[9852]:- قرأ ابن كثير ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر: فنادته وقرأ حمزة والكسائي وابن عباس وابن مسعود: فناداه، انظر: معاني الفراء 1/210، ومعاني الأخفش 1/405، والسبعة: 205 وإعراب النحاس 1/327، والكشف 1/342.
[9853]:- انظر: المصدر السابق.
[9854]:- (أ): الندى.
[9855]:- في كسر إن وفتحها خلاف، عامة القراء: (أن الله) بفتح الهمزة لوقوع النداء عليها، بمعنى فنادته الملائكة بذلك وقرأ بعض أهل الكوفة "إن الله" بكسر الهمزة بمعنى قالت الملائكة إن الله يبشرك لأن النداء قول. انظر: جامع البيان 3/250، ومعاني الزجاج 1/405، والسبعة: 205. والكشف 1/342.
[9856]:- ساقط من (أ) (ج). انظر: جامع البيان 3/250.
[9857]:- هو قول قتادة في جامع البيان 3/252، والدر المنثور 2/188.
[9858]:- انظر: جامع البيان 3/253 والدر المنثور 2/189.
[9859]:- انظر: المصدر السابق.
[9860]:- انظر: المصدر السابق.
[9861]:- انظر: المصدر السابق.
[9862]:- انظر: مجاز القرآن 1/91 وهو اجتراء على ترجمة القرآن بالرأي عند الطبري في جامع البيان 3/253-254، والمحرر 3/74.
[9863]:- انظر: جامع البيان 3/253 والدر المنثور 2/189.
[9864]:- المصدر السابق. والمحرر 3/74 والكشاف 1/428.
[9865]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 3/254.
[9866]:- انظر: جامع البيان 3/254.
[9867]:- انظر: المصدر السابق.
[9868]:- ساقط من (ج).
[9869]:- انظر: جامع البيان 3/254-255 والدر المنثور 2/189-190.
[9870]:- الحصر لغة التضييق أو الحبس أو المنع. اللسان، حصر 4/293.
[9871]:- وإنما قيل للذي لا يأت النساء حصوراً لأنه حبس عما يكون من الرجال، انظر: معاني الزجاج 1/406.
[9872]:- هو قول الضحاك في جامع البيان 3/256، والدر المنثور 2/190.
[9873]:- الهيوب هنا الجبن عن النكاح وقد أنكر حذاق المفسرين ونقاد العلماء هذا الوصف واعتبروه نقيصة وعيباً لا يليق بالأنبياء، انظر: الشفا 1/126 وعنه أخذ ابن كثير هذا الرد في تفسيره 1/362.
[9874]:- انظر: جامع البيان 3/256 والدر المنثور 2/190. وللإمام الفخر الرازي كلام جيد في هذا 4/195.
[9875]:- انظر: المصدر السابق.
[9876]:- محصوراً وهو خطأ.
[9877]:- هذا هو المعنى الراجح عند عياض دون غيره مما ذكر، معقباً كيف يثني الله على العجز عما يعد فضيلة! انظر: الشفا 1/65.
[9878]:- ساقط من (أ),
[9879]:- سبعون ألفاً، (ج): سبعون.
[9880]:- انتقد الطبري ما ذهب إليه المؤرخون في تاريخه انظر 1/587.
[9881]:- (أ) و(ج): سمعت.
[9882]:- انظر: تاريخ الطبري 1/588.
[9883]:- انظر: جامع البيان 3/253.
[9884]:- (أ): لتخذ.
[9885]:- لم أقف على هذه الرواية سواء في تفسيره أو عند الطبري.
[9886]:- (أ) و(ج): العذاب وهو تحريف.
[9887]:- انظر: مجاز القرآن 1/91.
[9888]:- (أ): مخلوق.