اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدٗا وَحَصُورٗا وَنَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (39)

قوله : { فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ } قرأ الأخوان{[9]} " فَنَادَاهُ المَلاَئِكَةُ " - من غير تأنيث - والباقون " فَنَادَتْهُ " بتاء التأنيث - باعتبار الجمع المُكَسَّر ، فيجوز في الفعل المسند إليه التذكير باعتبار الجمع ، والتأنيث باعتبار الجماعة ، ولتأنيث لفظ " الملائكة " مع أن المذكور إذا تقدَّم فعلُهم - وهم جماعة - كان التأنيث فيه أحسن ؛ كقوله تعالى : { قَالَتِ الأَعْرَابُ } [ الحجرات : 14 ] . ومثل هذا { إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ }

[ الأنفال : 50 ] تُقْرأ بالتاء والياء ، وكذا قوله : { تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ } [ المعارج : 4 ] . قال الزجاج : يلحقها التأنيث للفظ الجماعة ، ويجوز أن يُعَبَّر عنها بلفظ التذكير ؛ لأنه - تعالى جمع الملائكة ، وهكذا قوله : { وَقَالَ نِسْوَةٌ }[ يوسف : 30 ]وإنما حَسُنَ الحذفُ - هنا - للفصل بين الفعل وفاعله .

وقد تجرأ بعضُهم على قراءة العامة ، فقال : " أكره التأنيثَ ؛ لما فيه من موافقة دَعْوَى الجاهلية ؛ لأن الجاهلية زعمت أن الملائكة إناث " .

روى إبراهيم قال : كان عبد الله بن مسعود يُذَكِّر الملائكةَ في كُلِّ القرآنِ .

قال أبو عُبَيْد : " نراه اختار ذلك ؛ خلافاً على المشركين ؛ لأنهم قالوا : الملائكة بناتُ الله " .

وروى الشعبيُّ أن ابن مسعود قال : " إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياءً " .

وتجرأ أبو البقاء على قراءة الأخوين ، فقال : وكره قوم قراءة التأنيث لموافقة الجاهلية ، ولذلك قرأ " فناداه " بغير تاء - والقراءة غير جيِّدة ؛ لأن الملائكة جمع ، وما اعتلوا ليس بشيءٍ ؛ لأن الإجماع على إثبات التاء في قوله : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَمَرْيَمُ } [ آل عمران : 42 ] .

وهذان القولان - الصادران من أبي البقاء وغيره - ليسا بجيِّدَيْن ؛ لأنهما قراءتان متواترتان ، فلا ينبغي أن ترد إحداهما ألبتة .

والأخوان على أصلهما من إمالة " فَنَادَاهُ " . والرسم يحتمل القراءتين معاً - أعني : التذكير والتأنيث والجمهور على أن الملائكة المراد بهم واحد - وهو جبريل .

قال الزَّجَّاج : أتاه النداء من هذا الجنس الذين هم الملائكة ، كقولك : فلان يركب السُّفُنَ - أي : هذا الجنس كقوله تعالى : { يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ }

[ النحل : 2 ] يعني جبريل " بِالرُّوحِ " يعني الوحي . ومثله قوله : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ } [ آل عمران : 173 ] وهو نعيم بن مسعود ، وقوله : { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } [ آل عمران : 173 ] يعني أبا سفيان . ولما كان جبريل - عليه السلام - رئيسَ الملائكة أخبر عنه إخبار الجماعة ؛ تعظيماً له .

قيل : الرئيس لا بدَّ له من أتباع ، فلذلك أخبر عنه وعنهم ، وإن كان النداء قد صدر منه - قاله الفضل بن سلمة - ويؤيد كون المنادي جبريل وحده قراءةُ عبد الله - وكذا في مصحفه - فناداه جبريل .

والعطف بالفاء - في قوله " فَنَادَتْهُ " - مُؤذِنٌ بأن الدعاء مُتَعقب بالتبشير .

والنداء : رفع الصوت ، يقال : نادَى ندَاء - بضم النون وكسرها - والأكثر في الأصوات مجيئها على الضم ، نحو البُكَاء ، والصُّراخ ، والدُّعاء ، والرُّغاء .

وقيل : المكسور مصدر ، والمضموم اسم . ولو عُكِسَ هذا لكان أبْيَنَ ؛ لموافقته نظائره من المصادر .

قال يعقوب بن السكيت : إن ضمّيت نونه قصرته ، وإن كسرتها مددته .

وأصل المادة يدل على الرفع ، ومنه المنْتَدَى والنادي ؛ لاجتماع القوم فيهما وارتفاع أصواتهم . وقالت قريش : دار الندوة ، لارتفاع أصواتهم عند المشاورة والمحاورة فيها ، وفلان أنْدَى صَوْتاً من فلان - أي : أرفع - هذا أصله في اللغة ، وفي العرف : صار ذلك لأحسنها نَغَماً وصوتاً ، والنَّدَى : المَطَر ، ومنه : نَدِيَ ، يَنْدَى ، ويُعَبَّر به عن الجود ، كما يُعَبَّر بالمطر والغيث عنه استعارةً .

قوله : { وَهُوَ قَائِمٌ } جملة حالية من مفعول النداء ، و " يُصَلِّي " يحتمل أوجهاً :

أحدها : أن يكون خبراً ثانياً - عند مَنْ يرى تَعَدُّدَه مطلقاً - نحو : زيدٌ شاعرٌ فقيهٌ .

الثاني : أنه حال من مفعول النداء ، وذلك - أيضاً - عند مَنْ يجوِّز تعدُّدَ الحال .

الثالث : أنه حال من الضمير المستتر في " قَائِمٌ " فيكون حالاً من حال .

الرابع : أن يكون صفة لِ " قَائِمٌ " .

قوله : { فِي الْمِحْرَابِ } متعلق ب " يُصَلِّي " ، ويجوز أن يتعلق ب " قَائِمٌ " إذا جعلنا يُصَلِّي حالاً من الضمير في " قَائِمٌ " ؛ لأن العامل فيه - حينئذ - وفي الحال شيء واحد ، فلا يلزم فيه فَصْل ، أما إذا جعلناه خبراً ثانياً أو صفة لِ " قَائِمٌ " أو حالاً من المفعول لزم الفصلُ بين العاملِ ومعمولهِ بأجنبيٍّ . هذا معنى كلام أبي حيّان .

قال شِهَابُ الدِّيْنِ{[10]} : والذي يظهر أنه يجوز أن تكون المسألة من باب التنازع ؛ فإن كُلاًّ من " قَائِمٌ " و " يصلِّي " يصح أن يتسلَّط على " فِي الْمِحْرَابِ " وذلك على أي وجهٍ تقدم من وجوه الإعراب .

والمحراب - هنا - : المسجد .

قوله : { إِنَّ اللَّهَ } قرأ نافع وحمزة وابن عامر{[11]} بكسر " إنَّ " والباقون بفتحها ، فالكسر عند الكوفيين ؛ لإجراء النداء مُجْرَى القولِ ، فيُكْسر معه ، وعند البصريين ، على إضْمار القول - أي : فنادته ، فقالت . والفتح والحذف - على حذف حرف الجر ، تقديره : فنادته بأن الله ، فلما حُذِفَ الخافض جَرَى الوجهان المشهوران في مَحَلِّها .

وفي قراءة عبد الله{[12]} : " فنادته الملائكة يا زكريا " فقوله : " يا زكريا " هو مفعول النداء ، وعلى هذه القراءة يتعين كسر " إن " ولا يجوز فتحُها ؛ لاستيفاء الفعلِ معموليه ، وهما الضمير وما نُودي به زكريا .

قوله : { يُبَشِّرُكَ } قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم{[13]} الخمسة في هذه السورة { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ } - في موضعين - وفي سورة الإسراء : { وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ } [ الإسراء : 9 ] وفي سورة الكهف : { وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ } - بضم الياء ، وفتح الباء ، وكسر الشين مشددة - من بَشَّرَه ، يُبَشِّرُه .

وقرأ نافع وابن عامر وعاصم - ثلاثتهم - كذلك في سورة الشورى ، وهو قوله : { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُواْ } [ الشورى : 23 ] .

وقرأ الجميع - دون حمزة{[14]} - كذلك في سورة براءة : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ } [ التوبة : 21 ] وفي الحجر - في قوله : { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } [ الحجر : 53 ] - ولا خلاف في الثاني - وهو قوله : { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [ الحجر : 54 ] - أنه بالتثقيل .

وكذلك قرأ الجميع{[15]} - دون حمزة - في سورة مريم - في موضعين - { إِنَّا نُبَشِّرُكَ } [ مريم : 7 ] وقوله : { لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ }

[ مريم : 97 ] . وكل من لم يذكر من قرأ بالتقييد المذكور فإنه يقرأ بفتح حرف المضارعة ، وسكون الياء وضم الشين .

وإذا أردت معرفة ضبط هذا الفَضل ، فاعلم أن المواضع التي وقع فيها الخلاف المذكور تسع كلماتٍ ، والقُرَّاء فيه على أربع مراتبٍ :

فنافع وابن عامر وعاصم ثَقَّلُوا الجميعَ .

وحمزة خفّف الجميع إلا قوله : { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [ الحجر : 54 ] .

وابن كثير وأبو عمرو ثقلا الجميعَ إلا التي في سورة الشورَى فإنهما وافقَا فيها حمزة . والكسائي خفَّف خمساً منها ، وثقَّل أربعاً ، فخفَّفَ كلمتي هذه السورةِ ، وكلمات الإسراء والكهفِ والشورَى . وقد تقدم أن في هذا الفعل ثلاث لغاتٍ : بشَّر - بالتشديد - وبَشَرَ – بالتخفيف- .

وعليه ما أنشده الفراء قوله : [ الطويل ]

بَشَرْتَ عِيَالِي إذْ رَأيْتَ صَحِيفَةً *** أتَتْكَ مِنَ الْحَجَّاجِ يُتْلَى كِتَابُهَا{[16]}

الثالثة : أبْشَرَ - رباعياً - وعليه قراءة بعضهم " يُبَشِّرُكَ " - بضم الياء .

ومن التبشير قول الآخر : [ الكامل ]

يَا بِشْرُ حُقَّ لِوَجْهِكَ التَّبْشِيرُ *** هَلاَّ غَضِبْتَ لَنَا وَأنْتَ أمِيْرُ ؟{[17]}

وقد أجمع على مواضع من هذه اللغات نحو " فَبَشِّرْهُمْ " .

{ وَأَبْشِرُوا } [ فصلت : 30 ] { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } [ هود : 71 ] . قالوا : { بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ } [ الحجر : 55 ] . فلم يرد الخلاف إلا في المضارع دونَ الماضي .

وقد تقدم معنى البشارة واشتقاقها في سورة البقرة .

قوله : { بِيَحْيَى } متعلق ب { يُبَشِّرُكَ } ولا بد من حذف مضاف ، أي : بولادة يحيى ؛ لأن الذوات ليست متعلقة للبشارة ، ولا بد في الكلام من حذف معمول قاد إليه السياقُ ، تقديره : بولادة يحيى منك ومن امرأتك ، دلَّ على ذلك قرينةُ الحالِ وسياقُ الكلامِ .

و " يحيى " فيه قولان :

أحدهما - وهو المشهور عند المفسِّرين - : أنه منقول من الفعل المضارع وقد سَمُّوا بالأفعالِ كثيراً ، نحو يعيش ويعمر ويموت .

قال قتادة : " سُمِّي { يَحْيَى } لأن الله أحياه بالإيمان " .

وقال الزَّجَّاج : " حيي بالعلم " وعلى هذا فهو ممنوع من الصرف للعلميَّة ووزن الفعل ، نحو يزيد ويشكر وتغلب .

والثاني : أنه أعجميّ لا اشتقاق له - وهو الظاهر - فامتناعه للعلمية والعُجْمَة الشخصية .

وعلى كلا القولين يُجْمَع على " يَحْيَوْنَ " بحَذْف الألف وبقاء الفتحةِ تدلّ عليها .

وقال الكوفيون : إن كان عربيَّا منقولاً من الفعل فالأمر كذلك ، وإن كان أعجمياً ضُمَّ ما قبل الواو ، وكسر ما قبل الياء ؛ إجراءً له مُجْرَى المنقوص ، نحو جاء القاضُون ، ورأيت القاضِين ، نقل هذا أبو حيّان عنهم . ونقل ابنُ مالك عنهم أن الاسم إن كانت ألفه زائدةً ضُمَّ ما قبلَ الواو ، وكُسِرَ ما قبلَ الياءِ ، نحو : جاء حبلون ورأيت حُبلِين ، وإن كانت أصليةً نحو دُجَوْن وجب فتح ما قبل الحرفين .

قالوا : فإن كان أعجمياً جاز الوجهان ؛ لاحتمال أن تكون ألفهُ أصليةً أو زائدة ؛ إذْ لا يُعْرَف له اشتقاق . ويصغر يحيى على " يُحَيَّى " وأنشد للشيخ أبي عمرو بن الحاجب في ذلك : [ مجزوء الرمل ]

أيُّها الْعَالِمُ بِالتَّصْرِ *** يفِ لا زِلْتَ تُحَيَّا

قَالَ قَوْمٌ : إنَّ يَحْيَى *** إنْ يُصَغَّرْ فَيُحَيَّا

وَأبَى قَوْمٌ فَقَالُوا *** لَيْسَ هَذَا الرَّأيُ حَيَّا

إنَّمَا كَانَ صَوَاباً *** لَوْ أجَابُوا بِيُحَيَّا

كَيْفَ قَدْ رَدُّوا يُحَيَّا *** وَالَّذِي اخْتَارُوا يُحَيَّا ؟

أتُرَاهُمْ فِي ضَلالٍ *** أمْ تَرَى وَجْهاً يُحَيَّا ؟{[18]}

وهذا جارٍ مَجْرَى الألْغاز في تصغير هذه اللفظة ، وذلك يختلف بالتصريف والعمل ، وهو أنه لما اجتمع في آخر الاسم المصَغَّر ثلاثُ ياءاتٍ جرى فيه خلافٌ بين النحاة بالنسبةِ إلى الحَذْف والإثبات ، وأصل المسألة تصغير " أحْوَى " ويُنْسَب إلى " يَحْيَى " " يَحْيَى " - بحذف الألف ، تشبيهاً لها بالزائد - نحو حُبْلِيّ - في حُبْلَى - و " يَحْيَوِيّ " - بالقلب ؛ لأنها أصل كألف مَلْهَوِيّ ، أو شبيهة بالأصل إن كان أعجمياً - و " يَحْيَاوِيّ " - بزيادة ألف قبل قَلْبِ ألفِهِ واواً .

وقرأ حمزة والكسائي " يَحْيَى " بالإمالة ؛ لأجل الياء والباقون بالتفخيم .

قال ابن عباس : " سُمِّيَ " يَحْيَى ؛ لأن اللهَ أحيا به عَقْرَ أمِّه {[19]} .

وقال قتادة : لأن الله أحيا قلبه بالإيمان {[20]} .

وقيل : لأن الله أحياه بالطاعة حتى إنه لم يَعْصِ اللهَ ، ولم يَهِمّ بمعصيةٍ .

قال القرطبي : " كان اسمه - في الكتاب الأول - حَيَا ، وكان اسم سارة - زوجة إبراهيم - يسارة ، وتفسيره بالعربية : لا تلد ، فلما بُشِّرَت بإسحاق قيل لها : سارة ، سمَّاها بذلك جبريل - عليه السلام - فقالت : يا إبراهيم ، لم نقص من اسمي حرف ؟ فقال إبراهيم ذلك لجبريل - عليه السلام - فقال : إن ذلك حرف زيد في اسمِ ابنٍ لها من أفضل الأنبياء ، اسمه حيا ، فسُمِّي بيَحْيَى " .

قوله : { مُصَدِّقًا } حال من " يَحْيَى " وهذه حال مقدرة .

وقال ابن عطية : " هي حال مؤكدة بحسب حال هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام " . و " بِكلِمةٍ " متعلق ب " مُصَدِّقاً " .

وقرأ أبو السّمال{[21]} " بِكِلْمَةٍ " - بكسر الكاف وسكون اللام - وهي لغة صحيحة ؛ وذلك أنه أتبع الفاء للعين في حركتها ، فالتقى بذلك كسرتان ، فحذف الثانيةَ ؛ لأجل الاستثقال .

فصل

قيل : المراد بها الجمع ؛ إذ المقصود التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله تعالى المُنَزَّلة فعبَّر عن الجمع ببعضه ، ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ " حيثُ قال : [ الطويل ]

ألا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِل *** . . . {[22]}

وذكر جابر - رضي الله عنه - الحُوَيْدِرَة فقال : لَعَنَ اللهُ كلمته - يعني قصيدته .

وقال الجمهور : الكلمة : هي عيسى عليه السلام .

قال السديُّ : لقيت أمُّ عيسى ، أمَّ يَحيى - وهذه حامل بعيسى ، وتلك حامل بيحيى - فقالت أم يحيى : أشعَرْتِ أني حُبْلَى ؟ : فقالت : مريم : وأنا - أيضاً - حُبْلَى ، قالت امرأة زكريا : فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك ، فذلك قوله{[23]} : { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ } .

قال القرطبيُّ : " رُوِيَ أنها أحسَّت بجنينها يَخِرّ برأسه إلى ناحية بطن مريم " .

وقال ابن عبّاسٍ : إن يحيى كان أكبر سِنًّا من عيسى بستةِ أشهر{[24]} .

وقيل : بثلاث سنين ، وكان يحيى أول من آمن به وصدق بأنه كلمة الله وروحه .

وسمي عيسى عليه السلام كلمة . قيل : لأنه خُلِقَ بكلمة من الله { كُنْ فَيَكُونُ } من غير واسطة أب فسمي لهذا كلمة - كما يسمى المخلوق خَلْقاً ، والمقدور قُدْرة ، والمرجُوُّ رجاءً ، والمشتَهَى شهوةً - وهو باب مشهور في اللغة .

وقيل : هو بشارة اللهِ مريم بعيسى - بكلامه على لسان جبريل عليه السَّلام .

وقيل : لأنه تكلم في الطفوليَّة ، وأتاه الكتاب في زَمَنِ الطفوليَّةِ ، فلهذا كان بالغاً مبلغاً عظيماً ، فسُمِّيَ كلمة كما يقال : فلان جود وإقبال - إذا كان كاملاً فيهما .

وقيل : لما وردت البشارةُ به في كتب الأنبياء قبله ، فلما جاء قيل : هذا هو تلك الكلمة - كما إذا أخبر عن حدوث أمر ، فإذا حَدَث ذلك الأمر ، قال : قد جاء قولي ، وجاء كلامي - أي : ما كنت أقول ، وأتكلم به - ونظيره قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } [ غافر : 6 ] وقوله : { وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } [ الزمر : 71 ] .

وقيل : لأن الإنسان قد يُسَمَّى ب " فضل الله " و " لطف الله " وكذلك عيسى كان اسمه كلمة الله وروح الله .

واعلم أن كلمة الله - تعالى - كلامه ، وكلامه - على قول أهل السنة - صفةٌ قديمةٌ قائمةٌ بذاته وفي قول المعتزلة : صفة يخلقها الله في جسم مخصوص ، دالة بالوضع على معاني مخصوصة .

وضروريّ حاصل بأن الصفة القديمة ، أو الأصوات التي هي أعراض غير باقية يستحيل أن يقال : إنها ذات عيسى ، ولما كان ذلك باطلاً في بداهة العقول ، لم يَبْقَ إلا التأويل .

قوله : { مِّنَ اللَّهِ } في محل جر ؛ صفة ل " كَلِمَةٍ " فيتعلق بمحذوف ، أي : بكلمة كائنة من الله { وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً } أحوال أيضاً - كمصَدِّقاً . والسيد : فَيْعِل ، والأصل سَيْود ، ففُعِلَ به ما فعل ب " ميت " ، كما تقدم ، واشتقاقه من سَادَ ، يَسُودُ ، سِيَادَةً ، وسُؤدُداً - أي فاق نظراءه في الشرف والسؤدد .

ومنه قوله : [ الرجز ]

نَفْسٌ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَاما *** وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ والإقْدَامَا

وَصَيَّرَتْهُ بطلاً هُمَامَا *** . . . {[25]}

وجمعه على " فَعَلَة " شاذ قياساً ، فصيح استعمالاً ؛ قال تعالى : { إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا } [ الأحزاب : 67 ] .

وقال بعضهم : سُمي سيِّداً ؛ لأنه يسود سَوَاد الناس أي : مُعْظَمهم وجُلَّهم . والأصل سَوَدَة ، و " فَعَلَة " لِ " فاعِل " نحو كافِر وكفرة ، وفاجِر وفَجَرَة ، وبارّ وبررة .

وقال ابن عباس : السَّيِّد : الحليم {[26]} .

قال الجبائي : إنه كان سيداً للمؤمنين ، ورئيساً لهم في الدين - أعني : في العلم والحلم والعبادة و الورع .

قال مجاهدٌ : السَّيِّد : الكريم على الله تعالى{[27]} .

وقال ابن المُسَيِّبِ : السيِّد : الفقيه العالم{[28]} .

وقال عكرمة : السيد : الذي لا يغلبه الغضبُ{[29]} .

وقيل : هو الرئيس الذي يتبع ، ويُنتَهَى إلى قولهِ .

وقال المفضل : السيد في الدين .

وقال الضحاك : الحسن الخلق {[30]} .

وقال سعيد بن جبير : هو الذي يُطيع ربَّه .

ويقول عن الضَّحَّاكِ : السيد : التقِيّ{[31]} .

وقال سفيان : الذي لا يحسد .

وقيل : هو الذي يفوق قومَه في جميع خصال الخيرِ .

وقيل : هو القانع بما قسم الله له .

وقيل : هو السَّخِيّ .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ سَيدُكُمْ يَا بَنِي سَلمةَ " ؟ قالوا : جَد بن قَيْس على بُخْلِه ، فقال : " وأي دواء أدوى من البخل ، لكن سَيِّدَكم عمرو بن الجموح{[32]} " . وفي الآية بذلك دليل على جواز تسمية الإنسان سيداً كما تجوز تسميته عزيزاً وكريماً . وقال صلى الله عليه وسلم لبني قريظة : " قوموا إلى سيِّدكم{[33]} .

وقال - في الحسن - : " إن ابني هذا سَيِّدٌ ، فلعلَّ اللهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْن عَظِيْمَتين من المسلمين " {[34]} .

قال الكسائي : السيّد من المَعْز : [ الْمُسِّن ] . وفي الحديث : " الثَّنِيُّ من الضَّأن خير من السَّيِّد مِن الْمَعْزِ الْمُسِنّ " {[35]} .

وقال الشاعر : [ الطويل ]

سَوَاءٌ عَلَيْهِ شَاةُ عَامٍ دَنَت لَهُ *** لِيَذْبَحَهَا للِضَّيْفِ أمْ شَاةُ سَيِّد{[36]}

والحصور : فعول للمبالغة ، مُحَوَّل من حاصر ، كضروب .

وفي قوله : [ الطويل ]

ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السَّيْفِ سُوقَ سِمَانِهَا *** إذَا عَدِمُوا زاداً فَإنَّكَ حَاصِرُ{[37]}

وقيل : بل هو فَعُول بمعنى : مفعول ، أي : محصور ، ومثله ركوب بمعنى : مركوب ، وحلوب بمعنى : محلوب .

والحصور : الذي يكتم سره .

قال جرير : [ الكامل ]

وَلَقَدْ تَسَقَّطَنِي الْوُشَاةُ فَصَادَفُوا *** حَصِراً بِسِرِّكِ يَا أمَيْمَ ضَنِينَا{[38]}

وهو البخيل - أيضاً - قال : [ البسيط ]

. . . *** لاَ بِالْحَصُورِ وَلاَ فِيهَا بِسَئَّارِ{[39]}

وقد تقدم اشتقاق هذه المادة وهو مأخوذ من المنع ؛ وذلك لأن الحصور هو الذي لا يأتي النساء - إما لطبعه على ذلك ، وإما لمغالبته نفسه - قال ابنُ مسعودٍ وابن عبَّاس وسعيد بن جبير وقتادة وعطاء والحسن : الحصور : الذي لا يأتي النساء ولا يقربُهُنَّ ، {[40]} وهو - على هذا - بمعنى فاعل ، يعني أنه يحصر نفسه عن الشهوات .

قال سعيد بن المُسيِّبِ هو العِنِّين الذي لا ماء{[41]} له ، فيكون بمعنى " مفعول " كأنه ممنوع من النساء .

واختيار المحققين أنه الذي لا يأتي النساء لا للعجز بل للعفة والزهد - مثل الشروب والظلوم والغشوم - والمنع إنما يحصل إذا كان المقتضي قائماً ، والدفع إنما يحصل عند قوة الداعية والرغبة والغِلْمَة . والكلام إنما خرج مخرج الثناء وأيضاً فإنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء - والصفة التي ذكروها صفة نقص ، وذكر صفة النقصان في معرِض المدحِ ، لا يجوز ، ولا يستحق به ثواباً ولا تعظيماً .

فصل

احتجَّ بعضُهم - بهذه الآية - على أن ترك النكاح أفضل ؛ لأنه - تعالى - مدحه بترك النكاح ، فيكون تركه أفضل في تلك الشريعة ، فيجب أن يكون الأمر كذلك في شريعتنا ؛ للنص والمعقول أما النص فقوله تعالى :

{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] .

وأمَّا المعقول فهو أن الأصل في الثابت بقاؤه على ما كان ، والنسخ على خلاف الأصل .

وأجيبوا بأن هذا منسوخ بقوله – " تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا{[42]} " وقوله : " لا رَهْبَانِيَّةَ فِي الإسلامِ{[43]} " . وقوله عليه الصلاة والسلام :

" النِّكَاحُ سُنَّتِي وَسُنَّةُ الأنبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي ، فَمَنْ رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " {[44]} .

وقولهم : النسخ على خلاف الأصل .

قلنا : مسلم إذا لم يُعْلَم الناسخُ ، وقد علمناه .

قوله : { وَنَبِيًّا } اعلم أن السيادةَ إشارة إلى أمرين :

أحدهما : القدرة على ضبط مصالح الخَلْق فيما يرجع إلى تعليمِ الدين .

والثاني : ضبط مصالحهم في تأديبهم ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .

والحصور إشارة إلى الزهد التام ، فلما اجتمعا حصلت النبوة ؛ لأنه ليس بعدهما إلا النبوة .

قوله : { مِّنَ الصَّالِحِينَ } صفة لقوله : { وَنَبِيّاً } فهو في محل نصب ، وفي معناه ثلاثة أوجهٍ :

الأول : معناه من أولاد الصالحين .

الثاني : أنه خَيِّر - كما يقال للرجل الخَيِّر : إنه من الصالحين .

الثالث : أن صلاحه كان أتمَّ من صلاح سائر الأنبياء ؛ لقوله - عليه السلام - : " مَا مِنْ نَبِيٍّ إلاَّ عَصَى وَهَمّ بِمَعْصِيَةٍ إلاَّ يحيَى بن زكريا ، فإنه لم يَعْصِ ولم يَهِمَّ بمعصيةٍ " .

فإن قيل : إن كان منصب النبوة أعلى من منصب الصلاح ، فما الفائدة في ذكر منصب الصلاح بعد ذكر النبوة ؟

فالجواب : أن سليمان - بعد حصول النبوة - قال : { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [ النمل : 19 ]

وتحقيقه أن للأنبياء قدراً من الصلاح لو انتقص لانتفت النبوة ، فذلك القدر - بالنسبة إليهم - يجري مجرى حفظ الواجبات - بالنسبة إلينا - وبعد اشتراكهم في ذلك القدر تتفاوت درجاتُهم في الزيادة على ذلك القدر ، فكلما كان أكثر نصيباً كان أعلى قَدْراً .

والله أعلم .


[9]:سقط من: ب.
[10]:الجامع لأحكام القرآن 20/91.
[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.
[13]:ستأتي في "المؤمنون" 1 وينظر: شرح الطيبة 4/ 145.
[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.
[16]:ينظر: الدر المصون 2/35.
[17]:ينظر: السبعة 200، والكشف 1/334، والحجة، 3/6 والبحر المحيط 2/389، والدر المصون 2/5.
[18]:قال سيبويه 3/25 "فإن قلت: ما بالي أقول: واحد اثنان، فأشم الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأن الواحد اسم متمكن، وليس كالصوت، وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج...".
[19]:ينظر: المشكل 1/ 123.
[20]:ينظر: الكتاب 2/107.
[21]:ينظر: البحر المحيط 2/391.
[22]:سقط في ب.
[23]:ينظر: الدر المصون 2/6.
[24]:ينظر ديوانه ص 216، ولسان العرب (ثور)، وخزانة الأدب 7/210، ورصف المباني ص 41 والمصنف 1/68، والدر المصون 2/6.
[25]:قرأ بها عيسى بن عمر كما في الشواذ 129، وستأتي في سورة "ص" آية 1،2.
[26]:تقدمت.
[27]:سقط في أ.
[28]:سقط في أ.
[29]:ينظر: المشكل 1/123.
[30]:ينظر: الكتاب 3/324.
[31]:ينظر:الإملاء 1/ 122.
[32]:ينظر: الكشاف 1/335، والمحرر الوجيز 1/397، والبحر المحيط 2/ 389، الدر المصون 2/7. وأما رد الفارسي لكلام أبي إسحاق الزجاج وانتصاره للأخفش فلم أجده في "الحجة" في مظنته، بل إنه لم يحك مذهب كسر الميم.
[33]:ينظر معاني القرآن للزجاج 1/327. وفي ب الذي حكاه الأخفش من كسر الميم- خطأ لا يجوز، ولا تقوله العرب لثقله.
[34]:وهذا الطعن عندي ضعيف، لأن الكسرة حركة فيها بعض الثقل والياء أختها، فإذا اجتمعا، عظم الثقل، ثم يحصل الانتقال منه إلى النطق بالألف في قولك: "الله" وهو في غاية الخفة، فيصير اللسان منتقلا من أثقل الحركات إلى أخف الحركات، والانتقال من الضد إلى الضد دفعة واحدة صعب على اللسان، أما إذا جعلنا الميم مفتوحة، انتقل اللسان من فتحة الميم إلى الألف في قولنا: "الله" فكان النطق بها سهلا، فهذا وجه تقرير قول سيبويه والله أعلم. ينظر الرازي 7/134.
[35]:(10) في أ: وبقوله.
[36]:سقط في أ.
[37]:روي ذلك عن مقاتل، وذكره أبو حيان في البحر المحيط 2/389.
[38]:آية 61 من سورة آل عمران. والبهل: اللعن: وفي حديث ابن الصبغاء قال: الذي بهله بريق أي الذي لعنه ودعا عليه رجل اسمه بريق. وبهله الله بهلا: لعنه. وعليه بهلة الله وبهلته أي لعنته. وفي حديث أبي بكر: من ولي من أمور الناس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله أي لعنة الله، وتضم باؤها وتفتح. وباهل القوم بعضهم بعضا وتباهلوا وابتهلوا: تلاعنوا. والمباهلة: الملاعنة. يقال: باهلت فلانا؟ أي لاعنته، ومعنى المباهلة أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا. وفي حديث ابن عباس: من شاء باهلته أن الحق معي. ينظر: اللسان (بهل).
[39]:(نجران) بفتح النون وسكون الجيم: بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن، يشتمل على ثلاثة وسعين قرية مسيرة يوم للراكب السريع، كذا في زيادات يونس بن بكير بإسناد له في المغازي، وذكر ابن إسحاق أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهم حينئذ عشرون رجلا، لكن أعاد ذكرهم في الوفود بالمدينة فكأنهم قدموا مرتين. قال ابن سعد: كان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليهم، فخرج إليه وفدهم في أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وعند ابن إسحاق أيضا من حديث كرز بن علقمة: أنهم كانوا أربعة وعشرين رجلا، وسرد أسماءهم. وفي قصة أهل نجران من الفوائد أن إقرار الكافر بالنبوة لا يدخل في الإسلام، حتى يلتزم أحكام الإسلام، وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب، وقد تجب إذا تعينت مصلحته، وفيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة، وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي، ووقع ذلك لجماعة من العلماء، ومما عرف بالتجربة أن من باهل وكان مبطلا لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة، ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة، فلم يقم بعدها غير شهرين، وفيها مصالحة أهل الذمة على ما يراه الإمام من أصناف المال، ويجري ذلك مجرى الجزية عليهم؛ فإن كلا منهما مال يؤخذ من الكفار على وجه الصغار في كل عام، وفيها بعث الإمام الرجل العالم الأمين إلى أهل الهدنة في مصلحة الإسلام، وفيها منقبة ظاهرة لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى أهل نجران؛ ليأتيه بصدقتاهم وجزيتهم، وهذه القصة غير قصة أبي عبيدة؛ لأن أبا عبيدة توجه معهم، فقبض مال الصلح ورجع، وعلي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية، ويأخذ ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة والله أعلم. ينظر فتح الباري 8/428، 429.
[40]:والحبرة والحبرة: ضرب من برود اليمن منمر، والجمع حبر وحبرات. الليث: حبرة ضرب من البرود اليمانية. يقال برد حبير وبرد حبرة، مثل عنبة. على الوصف والإضافة وبرود حبرة. قال: وليس حبرة موضعا أو شيئا معلوما إنما هو وشيء كقولك ثوب قرمز. ينظر لسان العرب 2/749- 750. (حبر)، النهاية في غريب الحديث 1/328.
[41]:سقط في ب.
[42]:سقط في .
[43]:سقط في ب.
[44]:سقط في أ.