فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمۡ يَقُولُونَ نَخۡشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرٖ مِّنۡ عِندِهِۦ فَيُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ نَٰدِمِينَ} (52)

{ فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ( 52 ) ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ( 53 ) } .

{ فترى الذين في قلوبهم مرض } الفاء للسببية والخطاب إما للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له ، أي ما ارتكبوه من الموالاة ووقعوا فيه من الكفر هو بسبب ما في قلوبهم من مرض النفاق والشك في الدين والرؤية إما قلبية أو بصرية .

وقرئ فيرى بالتحتية ، واختلف في فاعله ما هو فقيل هو الله عز وجل وقيل هو كل من يصلح منه الرؤية وقيل الموصول أي فيرى القوم الذين { يسارعون فيهم } أي في مودة اليهود والنصارى وموالاتهم ومناصحتهم ، لأنهم كانوا أهل ثروة ويسار يخالطونهم ويغشونهم لأجل ذلك نزلت في ابن أبي المنافق وأصحابه ، وجعل المسارعة في موالاتهم مسارعة فيهم للمبالغة في بيان رغبتهم في ذلك حتى كأنهم مستقرون فيهم داخلون في عدادهم .

{ يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة } جملة مشتملة على تعليل المسارعة في الموالاة أي أن هذه الخشية هي الحاملة لهم على المسارعة ، والدائرة ما يدور من مكابرة الدهر ودوائره كالدولة التي تزول ، أي يقول المنافقون إنما نخالط اليهود لأنا نخشى أن يدور علينا الدهر بمكروه وهو الهزيمة في الحرب والقحط والجدب والحوادث المخوفة .

قال ابن عباس : نخشى أن لا يتم أمر محمد صلى الله عليه وسلم فيدور علينا الأمر كما كان قبل محمد ، يعني نخشى أن يظفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فتكون الدولة لهم وتبطل دولته فيصيبنا منهم مكروه ، وفرق الراغب بين الدائرة والدولة بأن الدائرة هي الخط المحيط ثم عبر بها عن الحادثة ، وإنما يقال الداءة في المكروه ، والدولة في المحبوب .

{ فعسى الله أن يأتي بالفتح } رد عليهم ودفع لما وقع لهم من الخشية ، وعسى في كلام الله سبحانه وعد صادق لا يتخلف ، والفتح ظهور النبي صلى الله عليه وسلم على الكافرين ، ومنه ما وقع من قتل مقاتلة بني قريظة وسبي ذراريهم وإجلاء بني النضير ، وقيل هو فتح بلاد المشركين على المسلمين وقيل فتح مكة .

{ أو أمر من عنده } هو كل ما تندفع به صولة اليهود ومن معهم وتنكسر به شوكتهم وقيل هو إظهار أمر المنافقين وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما أسروا في أنفسهم ، وأمره بقتلهم ، وقيل هو الجزية التي جعلها الله عليهم وقيل الخصب والسعة للمسلمين .

{ فيصبحوا } أي المنافقون { على ما أسروا في أنفسهم } من النفاق الحامل لهم على الموالاة { نادمين } على ذلك لبطلان الأسباب التي تخيلوها وانكشاف خلافها .