تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الطلاق مدنية وآياتها اثنتا عشرة ، نزلت بعد سورة الإنسان . وفي هذه السورة الكريمة تفصيل عن الطلاق ووقته وأحكامه ، وشرح حالات لم تذكر في سورة البقرة التي تضمنت بعض أحكام الطلاق ، وبيّنت الوقت الذي يمكن أن يقع فيه الطلاق الذي يقبله الله ويجري وفق سنته . ثم فصّلت حق المطلقة وواجبها في البقاء في بيتها مدة العدة ، لا تُخرج منه إلا إذا عملت عملا لا يليق بها وأتت ذنبا عظيما ، أو أطالت لسانها على أقارب زوجها ، أو أنها ذهبت إلى بيت من بيوت أقاربها تكمل العدة فيه .

وطلاق السنة أن تطلق المرأة وهي طاهرة من الحيض ، أو حاملا حملا بيّنا ، فإذا طلقها زوجها وهي حائض ، أو لامسها وهو لا يدري أنها حامل أم لا ،

فإن هذا الطلاق بدعة ، محرم .

وهناك طلاق ليس بسنة ولا بدعة ، وهو : طلاق الصغيرة ، والتي كبرت وأيست من الحيض ، والتي لم يدخل بها . ثم فصّل عدة المطلقات بحسب حالاتهن .

ومتى انقضت عدة المرأة بات لها الحق في الخروج من بيتها ، وأن تتزوج من تشاء{ فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ، وأشهدوا ذوي عدل منكم } .

ثم حثت السورة على الاعتناء بالمعتدات بأن يسكنّ مع أزواجهن ، وأن يعاملن معاملة حسنة لا تضرهن . وإذا كانت المطلقة حاملا فيجب الإنفاق عليها حتى تضع حملها ، فإذا وضعت وأرضعت الصغير فيجب أن تُعطى أجورها . . والله تعالى يوصينا أن نتعامل بالمعروف ما استطعنا ، وأن ينفق الإنسان حسب قدرته{ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا } .

ثم بعد ذلك يذكر شيئا من أخبار الأمم الماضية وكيف عذب المكذبين منهم ، ليحذرنا أن لا نكون مثلهم ، وأن الله أنزل إلينا كتابا عظيما ، مع رسول كريم يتلوه علينا ليخرجنا من الظلمات إلى النور ، فلمن يؤمن به جزاء عظيم ، جنات تجري من تحتها الأنهار ، وهذه نعمة كبرى . . فاعملوا أيها المؤمنون لتنالوا رضا ربكم الذي خلق هذا الكون العجيب وأحاط بكل شيء علما .

إذا طلقتم النساء : إذا أردتم أن تطلقوا النساء ، وهذا التعبير جاء في القرآن مثل قوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم } [ النحل : 98 ] يعني إذا أردت أن تقرأ القرآن .

فطلقوهن لعدتهن : يعني طلقوهن بعد طُهرٍ من الحيض دون أن تمسّوهن حتى

لا تطول عليهن العدة ، والعدة هي الزمان الذي يجب على المرأة أن تبقى فيه دون أن تتزوج .

وأحصوا العدة : اضبطوها ، حتى يتبين أن المرأة ليست حاملا .

فاحشة مبينة : معصية ظاهرة ، مثل الزنا أو السرقة أو أن تطيل لسانها على أقارب زوجها وغير ذلك .

حدود الله : شرائعه .

وجّه الله تعالى الخطاب إلى النبيّ الكريم ليُفهِم المؤمنين جميعا ، أن يتقيدوا بأحكام الشريعة ، فإذا أراد أحد أن يطلّق زوجته فإن عليه أن يراعي وقتَ طُهرها من الحيض فيطلّقها وهي طاهرة حتى لا تطول عليها مدة العدة . ثم أكد ذلك بقوله تعالى : { وَأَحْصُواْ العدة } اعرفوا ابتداءها وانتهاءها . { واتقوا الله رَبَّكُمْ } بمحافظتكم على أوامره ، لأنها لمصلحتكم .

ثم بين لنا أشياء يجب أن نتّبعها محافظةً على تماسك الأسرة ودوام حياتها فقال : { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } يعني أن المطلقة تبقى في بيتها حتى تنقضيَ العدة . وهناك حكمة بالغة في إبقاء المطلقة في بيتها ، وهي : عسى أن يراجعَ الزوج رأيَه ، ويعاودَ أمره ، فيراجعَ زوجته وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي . وفي ذلك مصلحة كبرى للطرفين .

{ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ }

ولا يجوز أن تخرج المطلقة من بيتها إلا إذا انتهت العِدة ، فلا تأذنوا لهنّ بالخروج إذا طلبن ذلك ، ولا يخرجن بأنفسِهن إن أردْن ، ولكنه استثنى من لزوم البقاء في بيوت الزوجية إذا دعت الضرورة لذلك كأن فعلتْ ما يوجِب حدّاً كالزنا أو السرقة أو أطالت اللسان على الأحماء ومن في البيت من سوءِ خلقها ، فيحل عند ذلك إخراجها من البيت .

ثم بين الله تعالى عاقبة تجاوز حدود الله فقال :

{ وَتِلْكَ حُدُودُ الله }

هذه التي بينها لكم من الطلاق للعدة وإحصائها وما يترتب على ذلك .

{ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } بعدم تمسّكه بأوامر الله وشرعه .

ثم لمّح إلى حكمة بقائها في البيت فقال :

{ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } .

أنتَ لا تعلم أيها المرء ماذا يحصل ، ولا تعلم أن الله يقلّب القلوب ، فيجعل في قلبك محبةً لها ، فتندم على طلاقها وفراقها ، ولعلك تراجعها وتعود المياه إلى مجاريها .

روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عَنْهُمْ « أنه طلق امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمرُ لرسول الله ، فتغيّظ منه ثم قال : لِيراجعْها ثم يمسكْها حتى تطهُر ثم تحيض ثم تطهر ، فإن بدا له أن يطلّقها فليطلقها قبل أن يمسّها ، فتلك العِدةُ التي أمَرَ اللهُ أن تطلَّق لها النساء .

والشريعة الإسلامية ، وإن أباحت الطلاق ، قد بغّضت فيه وقبّحته وبينت أنه ضرورة لا يُلجا إليها إلا بعد استنفاد جميع الوسائل لبقاءِ رباط الزوجية الذي

هو أوثق رباط ، والذي حبّبتْ فيه وجعلته من أجلّ النعم ، وسماه الله تعالى : { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [ النساء : 21 ] والأحاديثُ كثيرة على التحذير من الطلاق والبعد عنه

ما أمكن للضرورة .