مدنية في قول الجميع . إلا رواية عن عطاء : أن العشر الأول منها مدني وباقيها مكي ، وقال الكلبي : نزل جميعها بالمدينة غير قوله تعالى : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم }[ المجادلة : 7 ] نزلت بمكة .
الأولى- قوله تعالى : " { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } التي اشتكت إلى الله هي خولة بنت ثعلبة . وقيل بنت حكيم . وقيل اسمها جميلة . وخولة أصح ، وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وقد مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت : يا عمر قد كنت تدعى عميرا ، ثم قيل لك عمر ، ثم قيل لك أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر ، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب ، وهو واقف يسمع كلامها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ وقالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفي علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي تقول : يا رسول الله ! أكل شبابي ونثرت له بطني ، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدى ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك ! فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } خرجه ابن ماجه في السنن . والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عز وجل : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } . وقال الماوردي : هي خولة بنت ثعلبة . وقيل : بنت خويلد . وليس هذا بمختلف ؛ لأن أحدهما أبوها والآخر جدها فنسبت إلى كل واحد منهما . وزوجها أوس بن الصامت أخو عباد بن الصامت .
وقال الثعلبي قال ابن عباس : هي خولة بنت خويلد الخزرجية ، كانت تحت أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وكانت حسنة الجسم ، فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها ، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها قال عروة{[14741]} : وكان أمرأً به لَمَم{[14742]} فأصابه بعض لَمَمِه فقال لها : أنت علي كظهر أمي . وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : ( حرمتِ عليه ) فقالت : والله ما ذكر طلاقا ، ثم قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي وقد نفضت له بطني ، فقال : ( حرمت عليه ) فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه الآية . وروى الحسن : أنها قالت : يا رسول الله ! قد نسخ الله سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أوحى إلي في هذا شيء ) فقالت : يا رسول الله ، أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا ؟ ! فقال : ( هو ما قلت لك ) فقالت : إلى الله أشكو لا إلى رسوله . فأنزل الله :{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله }الآية .
وروى الدارقطني من حديث قتادة أن أنس بن مالك حدثه قال : إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ظاهر حين كبرت سني ورق عظمي . فأنزل الله تعالى آية الظهار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوس : ( اعتق رقبة ) قال : مالي بذلك يَدَانِ . قال : ( فصم شهرين متتابعين ) قال : أما إني إذا أخطأني أن آكل في يوم ثلاث مرات يكل بصري . قال : ( فأطعم ستين مسكينا ) قال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة . قال : فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له والله غفور رحيم{[14743]} . " إن الله سميع بصير " قال : فكانوا يرون أن عنده مثلها وذلك لستين مسكينا ، وفي الترمذي وسنن ابن ماجه : أن سلمة بن صخر البياضي ظاهر من امرأته ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ( أعتق رقبة ) قال : فضربت صفحة عنقي بيدي . فقلت : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها . قال : ( فصم شهرين ) فقلت : يا رسول الله ! وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام . قال : ( فأطعم ستين مسكينا ) الحديث . وذكر ابن العربي في أحكامه : روي أن خولة بنت دليج ظاهر منها زوجها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قد حرمت عليه ) فقالت : أشكو إلى الله حاجتي . ثم عادت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حرمت عليه ) فقالت : إلى الله أشكو حاجتي إليه{[14744]} وعائشة تغسل شق رأسه الأيمن ، ثم تحولت إلى الشق الآخر وقد نزل عليه الوحي ، فذهبت أن تعيد ، فقالت عائشة : اسكتي فإنه قد نزل الوحي . فلما نزل القرآن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجها : ( اعتق رقبة ) قال : لا أجد . قال : ( صم شهرين متتابعين ) قال : إن لم آكل في اليوم ثلاث مرات خفت أن يعشو بصري . قال : ( فأطعم ستين مسكينا ) . قال : فأعني . فأعانه بشيء . قال أبو جعفر النحاس : أهل التفسير على أنها خولة وزوجها أوس بن الصامت ، واختلفوا في نسبها ، قال بعضهم : هي أنصارية وهي بنت ثعلبة ، وقال بعضهم : هي بنت دليج ، وقيل : هي بنت خويلد ، وقال بعضهم : هي بنت الصامت ، وقال بعضهم : هي أمة كانت لعبدالله بن أبي ، وهي التي أنزل الله فيها{ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } [ النور : 33 ] لأنه كان يكرهها على الزنى . وقيل : هي بنت حكيم . قال النحاس : وهذا ليس بمتناقض ، يجوز أن تنسب مرة إلى أبيها ، ومرة إلى أمها ، ومرة إلى جدها ، ويجوز أن تكون أمة كانت لعبدالله بن أبي فقيل لها أنصارية بالولاء ، لأنه كان في عداد الأنصار وإن كان من المنافقين .
الثانية- قرئ " قد سمع الله " بالإدغام و " قد سمع الله " بالإظهار . والأصل في السماع إدراك المسموعات ، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن . وقال ابن فورك : الصحيح أنه إدراك المسموع . وقال الحاكم أبو عبد الله في معنى السميع : إنه المدرك للأصوات التي يدركها المخلقون بآذانهم من غير أن يكون له أذن ، وذلك راجع إلى أن الأصوات لا تخفى عليه ، وإن كان غير موصوف بالحس المركب في الأذن ، كالأصم من الناس لما لم تكن له هذه الحاسة لم يكن أهلا لإدراك الصوت . والسمع والبصر صفتان كالعلم والقدرة والحياة والإرادة ، فهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه وتعالى متصفا بهما . وشكى واشتكى بمعنى واحد . وقرئ " تحاورك " أي تراجعك الكلام و " تجادلك " أي تسائلك .
{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } نزلت الآية في خولة بنت حكيم ، وقيل : خولة بنت ثعلبة ، وقيل : خولة بنت خويلد ، وقيل : اسمها جميلة وكانت امرأة أوس بن الصامت الأنصاري أخو عبادة بن الصامت فظاهر منها وكان الظهار في الجاهلية يوجب تحريما مؤبدا ، فلما فعل أوس ذلك جاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " يا رسول الله إن أوسا أكل شبابي ونشرت له بطني فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيتك إلا قد حرمت عليه ، فقالت : يا رسول الله لا تفعل إني وحيدة ليس لي أهل سواه فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل مقالته فراجعته ، فهذا هو جدالها " .
{ وتشتكي إلى الله } كانت تقول : اللهم إني أشكو إليك حالي وانفرادي وفقري ، وروي : أنها كانت تقول : اللهم إن لي منه صبية صغارا إن ضممتهم إلي جاعوا ، وإن ضممتهم إليه ضاعوا .
{ والله يسمع تحاوركما } المحاورة هي المراجعة في الكلام قالت عائشة رضي الله عنها : سبحان من وسع سمعه الأصوات لقد كنت حاضرة وكان بعض كلام خولة يخفى عليه وسمع الله كلامها ، ونزل القرآن في ذلك فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجها وقال له : " أتعتق رقبة ، فقال : والله ما أملكها فقال : أتصوم شهرين متتابعين ، فقال : والله ما أقدر ، فقال له : أتطعم ستين مسكينا ، فقال : لا أجد إلا أن يعينني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعونة وصلاة يريد الدعاء فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا ، وقيل : بثلاثين صاعا ودعا له فكفر بالإطعام وأمسك زوجته " .
هذه السورة مدنية وعدد آياتها اثنتان وعشرون . وهي مبدوءة بسبب نزولها وهي المرأة التي جاءت تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجادله في زوجها فأنزل الله قوله : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير } وعقب ذلك يأتي البيان بحقيقة الظهار من حيث معناه وحكمه وما يجب فيه من كفارة .
وتتضمن السورة نهيا عن التناجي والاستسرار بالإثم والعدوان مما يثير الريبة والرهبة في نفوس المسلمين .
وفي السورة تعظيم للعلم وتوقير للعلماء إذ { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } .
وفي السورة نهي للمسلمين عن موادة المشركين الذين يحادون الله ورسوله ولو كانوا أقرب الأقربين إليهم . إنما ينشدّ المسلم برباط العقيدة إلى إخوانه المسلمين . فلا يعبأ بغير ذلك من روابط العصبية والنسب . إلى غير ذلك مما تضمنته السورة من المعاني والحقائق والعبر .
{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير } .
روى الإمام أحمد عن عائشة قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات . لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } إلى آخر الآية .
وفي رواية عن عروة عن عائشة ( رضي الله عنها ) أنها قالت : تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خويلة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول : يا رسول الله أكل مالي وأفنى شبابي ونثرت له بطني حتى إذ كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك . قالت : فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } فالمشتكية إلى الله هي خولة بنت ثعلبة في الأصح . وزوجها هو أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت . ذكر أن خولة قالت : دخل علي ذات يوم وكلمني بشيء وهو فيه كالضجر فراددته فغضب فقال : أنت عليّ كظهر أمي . ثم خرج في نادي قومه ثم رجع إلي فراودني عن نفسي فامتنعت منه ، فشادّني فشاددته فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف . فقلت : كلا والذي نفس خويلة بيده لا تصل إليّ حتى يحكم الله تعالى فيّ وفيك بحكمه ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أشكو ما لقيت . فقال : " زوجك وابن عمك اتقي الله وأحسني صحبته " . فما برحت حتى نزل القرآن { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } إلى قوله : { إن الله سميع بصير } حتى انتهى إلى الكفارة قال : " مريه فليعتق رقبة " . قلت : يا نبي الله والله ما عنده رقبة يعتقها . قال : " مريه فليصم شهرين متتابعين " قلت : يا نبي الله شيخ كبير ما به من صيام ، قال : " فليطعم ستين مسكينا " قلت : يانبي الله والله ما عنده ما يطعم ، قال : " بلى سنعينه بعرق من تمر مكتل يسع ثلاثين صاعا " قلت : وأنا أعينه بعرق آخر ، قال : " قد أحسنت فليتصدق " {[4472]} .
قوله : { والله يسمع تحاوركما } الجملة في موضع نصب على الحال . أو مستأنفة ، والتحاور بمعنى التجاوب{[4473]} أي والله يسمع ما جرى من تراجع في الكلام ومن تحاور بين رسوله صلى الله عليه وسلم وخولة بنت ثعلبة . قوله : { إن الله سميع بصير } الله يسمع ويرى . فما من صوت ولا همس ولا نبس ولا حركة ولا سكنة ولا حدث إلا يسمعه الله أو يراه .