الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية وآياتها 22

{ قَدْ سَمِعَ الله } . قالت عائشة رضي الله عنها : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات : لقد كلمت المجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت وأنا عنده لا أسمع ، وقد سمع لها . وعن عمر أنه كان إذا دخلت عليه أكرمها وقال : قد سمع الله لها . وقرىء : «تحاورك » أي : تراجعك الكلام . وتحاولك ، أي : تسائلك ، وهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة : رآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم ، فلما سلمت راودها فأبت ، فغضب وكان به خفة ولمم ، فظاهر منها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ ، فلما خلا سني ونثرت بطني أي : كثر ولدي جعلني عليه كأمّه . وروى : أنها قالت له : إنّ لي صبية صغاراً ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليّ جاعوا . فقال : ما عندي في أمرك شيء . وروى : أنه قال لها : حرمت عليه ، فقالت : يا رسول الله ، ما ذكر طلاقاً وإنما هو أبو ولدي وأحب الناس إليّ ، فقال : حرمت عليه ، فقالت : أشكو إلى الله فاقتى ووجدي ، كلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرمت عليه ، هتفت وشكت إلى الله ، فنزلت { فِى زَوْجِهَا } في شأنه ومعناه { إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ } يصح أن يسمع كل مسموع ويبصر كل مبصر .

فإن قلت : ما معنى ( قد ) في قوله : ( قد سمع ) ؟ قلت : معناه التوقع ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله مجادلتها وشكواها وينزل في ذلك ما يفرّج عنها .