في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

ويمضي معهم في مناقشة القضية - قضية الوحي - من زاوية أخرى واقعية مشهودة . فماذا ينكرون من أمر الوحي والرسالة ؛ ولم يعجلون بتهمة السحر أو تهمة الافتراء ? وليس في الأمر غريب ولا عجيب :

( قل : ما كنت بدعا من الرسل . وما أدري ما يفعل بي ولا بكم . إن أتبع إلا ما يوحى إلي . وما أنا إلا نذير مبين ) . .

إنه[ صلى الله عليه وسلم ] ليس أول رسول . فقد سبقته الرسل . وأمره كأمرهم . وما كان بدعا من الرسل . بشر يعلم الله أنه أهل للرسالة فيوحي إليه ، فيصدع بما يؤمر . هذا هو جوهر الرسالة وطبيعتها . . والرسول حين يتصل قلبه لا يسأل ربه دليلا ، ولا يطلب لنفسه اختصاصا إنما يمضي في سبيله ، يبلغ رسالة ربه ، حسبما أوحي بها إليه : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم . إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) . . فهو لا يمضي في رسالته لأنه يعلم الغيب ؛ أو لأنه يطلع على ما يكون من شأنه وشأن قومه وشأن الرسالة التي يبشر بها . إنما هو يمضي وفق الإشارة وحسب التوجيه . واثقا بربه ، مستسلما لإرادته ، مطيعا لتوجيهه ، يضع خطاه حيث قادها الله . والغيب أمامه مجهول ، سره عند ربه . وهو لا يتطلع إلى السر من وراء الستر لأن قلبه مطمئن ، ولأن أدبه مع ربه ينهاه عن التطلع لغير ما فتح له . فهو واقف أبدا عند حدوده وحدود وظيفته : ( وما أنا إلا نذير مبين ) . .

وإنه لأدب الواصلين ، وإنها لطمأنينة العارفين ، يتأسون فيها برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيمضون في دعوتهم لله . لا لأنهم يعرفون مآلها ، أو يعلمون مستقبلها . أو يملكون فيها قليلا أو كثيرا . ولكن لأن هذا واجبهم وكفى . وما يطلبون من ربهم برهانا فبرهانهم في قلوبهم . وما يطلبون لأنفسهم خصوصية فخصوصيتهم أنه اختارهم . وما يتجاوزون الخط الدقيق الذي خطه لهم ، ورسم لهم فيه مواقع أقدامهم على طول الطريق .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

قوله : { قل ما كنت بدعا من الرسل } أي ما كنت أول رسل الله الذين أرسلهم إلى الناس ، فقد كان من قبلي مرسلون كثيرون أرسلهم الله إلى أمم مختلفة من قبلكم فلا ينبغي أن تنكروا إخباري بأني رسول الله إليكم ، ودعائي لكم أن تفردوا الله وحده بالعبادة والإذعان ، فإن الرسل جميعا إنما بعثوا من أجل ذلك . وقيل : كان المشركون يعيبون الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وبأن الذين اتبعوه هم من الفقراء ، فبين الله لهم أن المرسلين كلهم كانوا على هذه الصفة ولا يقدح ذلك في نبوته وصدقه فيما يقوله لهم .

قوله : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } أي لا علم لي بالغيب عما يفعله الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان . فما أدري ما يصر إليه أمري وأمركم في هذه الدنيا ؟ فمن الغالب منا ومن المغلوب ؟ وهل تؤمنون أم تكفرون ؟ وهل تعاجلون بالعذاب أم تمهلون ؟ وذلك كله من أمر الدنيا . أما في الآخرة فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه في الجنة حقا ، بل إنه في الذروة السامقة من الفردوس الأعلى يوم القيامة .

قوله : { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } يعني ما أتبع فيما أبلغكم به وأدعوكم إليه وأحذركموه إلا يوحي به إلي ربي { ومآ أنا إلا نذير مبين } أي لست إلا مبلغا لكم دعوة ربي ومحذركم عصيانه وشديد عقابه{[4202]} .


[4202]:الكشاف جـ 3 ص 516 وتفسير الرازي جـ 28 ص 7، 8 وتفسير القرطبي جـ 16 ص 187 وفتح القدير جـ 5 ص 14، 15.