النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

قوله عز وجل : { قُل مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ } قال ابن عباس : معناه لست بأول الرسل . والبدع الأول . والبديع من كل شيء المبتدع ، وأنشد قطرب لعدي بن زيد :

فلا أنا بدع من حوادث تعتري *** رجالاً غدت من بعد بؤسي بأسعد

{ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : يعني لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا لا في الآخرة ، فلا أدري ما يفعل بي أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي ، أو أُقتل كما قتل الأنبياء من قبلي ولا أدري ما يفعل بكم ، إنكم مصدقون أو مكذبون ، أو معذبون أو مؤخرون ، قاله الحسن .

الثاني : لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة . وهذا قبل نزول { لِيَغْفِر لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } الآية . فلما نزل عليه ذلك عام الحديبية علم ما يفعل به في الآخرة وقال لأصحابه : " لَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ آيَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعِهَا " فلما تلاها{[2608]} قال رجل من القوم : هنيئاً مريئا يا رسول الله ، قد بين الله ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى :

{ لِيُدْخِلَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }

الآية . قاله قتادة .

الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل الهجرة " لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَرْضاً أَخْرُجُ إِلَيْهَا مِن مَكَّةَ{[2609]} " فلما اشتد البلاء على أصحابه بمكة قالوا : يا رسول الله حتى متى نلقى هذا البلاء ؟ ومتى تخرج إلى الأرض التي رأيت ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُم ، أَنَمُوتُ بِمَكَّةَ أَمْ نَخْرُجُ مِنهَا " قال الكلبي .

الرابع : معناه قل لا أدري ما أؤمر به ولا ما تؤمرون به ، قاله الضحاك .


[2608]:قال ساقطة من ك.
[2609]:رواه البخاري في التعبير 12/ 369 و 370، ومسلم رقم 2272.