الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

ثم قال : { قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } [ 8 ] .

أي : قل {[62766]} يا محمد : ما كنت أو الرسل فتنكرون رسالتي ، بل قد كان قبلي رسل كثير وأنا واحد منهم {[62767]} .

قال المبرد {[62768]} : البدع البديع الأول ، ومنه يقال : ابتدع فلان كذا ، أي : أتى بما لم يتقدمه {[62769]} إليه أحد قبله ، ومنه بديع السماوات : أي : مبتدعهما {[62770]} {[62771]} .

وقوله : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } .

قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يقول ذلك للمؤمنين ، أي : لست أدري ما نصير إليه يوم القيامة .

ثم بين {[62772]} الله عز وجل {[62773]} حاله فقال : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله {[62774]} ما تقدم من ذنبك وما تأخر {[62775]} } وبين للمؤمنين أمرهم فقال : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم } {[62776]} هذا قول ابن عباس .

وقال عكرمة {[62777]} والحسن : هذه الآية منسوخة نسختها سورة الفتح ، قالا : فلما نزلت سورة الفتح خرج النبي {[62778]} صلى الله عليه وسلم فبشرهم بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال له رجل من المسلمين هنيئا {[62779]} لك يا نبي الله قد علمنا ما يفعل بك فما يفعل بنا ، فأنزل الله ، { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا } {[62780]} وأنزل : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } {[62781]} {[62782]} إلى قوله : { حكيما } فبين للمؤمنين ما يفعل بهم أيضا {[62783]} .

قال قتادة : ما أدري {[62784]} ما يفعل بي ولا لكم ، ثم درى ما يفعل به في أول الفتح {[62785]} ، وعن الحسن : أنها نزلت في المشركين ، وأنه صلى الله عليه وسلم ما يدري ما يصير إليه {[62786]} أمره معهم في الدنيا ، وما يصير أمرهم ، أيؤمنون أم يكفرون ، أيعجلون بالعذاب أم يؤخرون وقال : أما في الآخرة فمعاذ الله ، إنه {[62787]} قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل {[62788]} .

وقيل معناه : ما أدري ما يفترض علي وعليكم في الدنيا من الفرائض {[62789]} .

وقيل المعنى : ما أدري ما يحل علي وعليكم من جذب أو رخاء في الدنيا .

وقيل إنها نزلت في رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم ، فسرت أصحابه فاستبطئوا تأويلها فأنزل الله عز وجل {[62790]} : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } .

واختار الطبري {[62791]} وغيره أن يكون هذا في أمر الدنيا دون حال الآخرة لأنه لو كان {[62792]} لا يدري ما يفعل به ولا بهم في الآخرة لكان ذلك حجة لهم لأنهم يقولون له : فعلى {[62793]} ما نتبعك إذا كنت لا تدري على أي حال نصير غدا في القيامة {[62794]} .

وقوله : { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } أي : ما اتبع فيما أمركم به وفيما أفعله إلا وحي الله عز وجل {[62795]} إلي وأمره إياي .

{ وما أنا إلا نذير مبين } أي : أنذركم عقاب الله عز وجل {[62796]} على كفركم .

{ مبين } أي : قد بينت {[62797]} لكم إنذاري لكم ونصحي {[62798]} إياكم .


[62766]:"قل لهم يا محمد".
[62767]:راجع غريب القرآن وتفسيره 161.
[62768]:هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد، إمام العربية ببغداد في زمانه، وأحد الأئمة في الأدب والأخبار مولده بالبصرة ووفاته ببغداد، أسند عن ابن عباس وابن عمر وابن عمرو وأبي هريرة، وحديث عن عائشة، إلا أن حديثه عنها مرسل لأنه لم يسمع منها، توفي 286 هـ. انظر : وفيان الأعيان 4/313، ولسان الميزان 5/430، والوافي بالوفيات 5/216، وتاريخ بغداد 3/380.
[62769]:ع: "يتقدم".
[62770]:ح: "مبتديها".
[62771]:انظر : إعراب النحاس 4/160، والصحاح 3/1183، واللسان 1/174.
[62772]:ح: "ثم تبين".
[62773]:ساقط من ع.
[62774]:ساقط من ع.
[62775]:الفتح: 1-2.
[62776]:الفتح: 5.
[62777]:عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي القريشي: من صناديد قريش في الجاهلية والإسلام، كان هو وأبوه من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وأسلم عكرمة بعد فتح مكة، وحسن إسلامه فشهد الوقائع، وولي الأعمال لأبي بكر، توفي 13 هـ. انظر: الإصابة 2/496، وتهذيب الأسماء واللغات 1/338، والأعلام 4/244.
[62778]:ع: "رسول الله".
[62779]:ع: "هنالك" وهو تحريف.
[62780]:الأحزاب: 47.
[62781]:الفتح: 5.
[62782]:ساقط من ع.
[62783]:انظر : الناسخ و المنسوخ لابن العربي 363-365، وجامع البيان 26/5، وأسباب النزول للواحدي 281، وابن كثير 4/156، والدر المنثور 7/436، وروح المعاني 36/9.
[62784]:ع: "وما أدري".
[62785]:انظر : جامع البيان 26/5، والدر المنثور 7/437.
[62786]:ساقط من ع.
[62787]:ساقط من ع.
[62788]:انظر : جامع البيان 26/5، والدر المنثور 7/437.
[62789]:انظر : جامع البيان 26/5.
[62790]:ساقط من ع.
[62791]:محمد بن جرير بن يزيد الطبري أبو جعفر: المؤرخ المفسر الإمام عرض عليه القضاء فامتنع، له "أخبار الرسل والملوك" يعرف بتاريخ الطبري، و"جامع البيان" وهو من ثقاته المؤرخين وقد روى عنه ابن مجاهد، وسمع الحديث من أحمد بن منيع توفي 310 هـ، انظر: وفيات الأعيان 4/191، وميزان الاعتدال 3/498، وغاية النهاية 2/106، والبداية والنهاية 11/145، وتاريخ بغداد 2/162، وكشف الظنون 437.
[62792]:ساقط من ع.
[62793]:ع: "أمر".
[62794]:انظر: جامع البيان 26/6.
[62795]:ساقط من ع.
[62796]:ساقط من ع.
[62797]:ح: "قد بين"، وهو خطأ.
[62798]:ع : "نصحايكم": وهو تحريف.