{ قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم }
حجة أتاها الله نبيه محمدا أن يقول : لست أول رسول بُعث للناس ، وإنما بعث الله قبلي أنبياء كثيرين ، فماذا تستغربون من أمري ؟ وما أدري وما أعلم ماذا يحمل الغيب لي ، هل سأقتل كما قتل نبيون من قبلي ؟ أم أُخرج كما أُخرج كثير من إخواني المرسلين ؟ ولا أعلم ماذا يُمضي الله فيكم ؟ أيخسف الأرض بكم أم يرميكم بالحجارة ؟ .
مما أورد أبو عبد الله القرطبي : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا ، لا يدري صلى الله عليه وسلم ما يلحقه وإياهم من مرض وصحة ، ورخص وغلاء ، وغنى وفقر ، ومثله : { . . ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير . . }{[4600]} واختار الطبري أن يكون المعنى : ما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا ، أتؤمنون أم تكفرون ، أم تعاجَلون بالعقاب أم تُؤخرون اه .
وذهب بعض المفسرين إلى أن المعنى { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } في الآخرة ؛ ونقلوا : لما نزلت الآية فرح المشركون واليهود والمنافقون وقالوا : كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ولا بنا ، وأنه لا فضل له علينا ، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به ؛ فنزلت : { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . . }{[4601]} فنسخت هذه الآية ، وأرغم الله أنف الكفار ، وقالت الصحابة : هنيئا لك يا رسول الله ، لقد بين الله لك ما يفعل بك يا رسول الله ، فليت شعرنا ! ما هو فاعل بنا ؟ فنزلت : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار . . }{[4602]} ؛ كما نقلوا حديثا أورده الثعلبي عن أم العلاء امرأة من الأنصار قالت : اقتسمنا المهاجرين فطار لنا عثمان بن مظعون . . فأنزلناه أبياتنا فتوفي ، فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب إن الله أكرمك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ " فقلت بأبي وأمي يا رسول الله فمن ؟ قال : " أما هو فقد جاءه اليقين وما رأينا إلا خيرا فوالله إني لأرجو له الجنة ووالله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " قالت : فوالله : لا أزكي بعده أحدا أبدا . . قالوا : وإنما قال هذا حين لم يعلم بغفران ذنبه ، وإنما غفر له ذنبه في غزوة الحديبية قبل موته بأربع سنين .
ورد عليهم المحققون من علماء القرآن فقالوا : حديث أم العلاء أخرجه البخاري ، والرواية صحيحة فيه : ( وما أدري ما يفعل به ) ليس فيه " بي ولا بكم " ومحال أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، ولم يزل صلى الله عليه وسلم من أول مبعثه إلى مماته يخبر أن من مات على الكفر مخلد في النار ، ومن مات على الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة .
أقول : سياق الآية يستشهد به لما اخترناه من أن المعنى : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا ، فإن الذي يأتي على سنن المرسلين{ ما كنت بدعا من الرسل } على بينة من ربه ، وكيف لا والله تعالى يقول : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }{[4603]} . كما أن المتبع لوحي الله ، والبشير والنذير بما جاءه من الحق يعلم علم اليقين ماذا أُعدّ للمتقين وما هو مصير الكافرين : { فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا }{[4604]} .
{ إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين( 9 ) } .
ما أقول ولا أعمل إلا ما أمر به ربي الذي يعلم ما ظهر وما بطن ، فلست أبتدع شيئا وإنما أستقيم على ما يوحيه إليّ الخبير البصير ، ولست إلا منذرا ومحذرا أن يحملكم العناد على الوقوع في عذاب الله وسخطه ، وإنذاري واضح صادق أيّدني فيه وليي سبحانه بالمعجزات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.