بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

قوله تعالى { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرسل } يعني : ما أنا أول رسول بعث { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } يعني : يرحمني وإياكم ، أو يعذبني وإياكم . وقال الحسن في قوله : وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ، يعني : في الدنيا . وقال الكلبي : وذلك أنه رأى في المنام ، أنه أخرج إلى أرض ، ذات نخل وشجر ، فأخبر أصحابه ، فظنوا أنه وحي أوحي إليه ، فاستبشروا ، فمكثوا بذلك ما شاء ، فلم يروا شيئاً مما قال لهم ، فقالوا يا رسول الله ، ما رأينا الذي قلت لنا . فقال : «إنَّمَا كَانَ رُؤْيَا رَأَيْتُها ، وَلَمْ يَأْتِ وَحْيٌ مِنَ السَّمَاءِ ، وَمَا أَدْرِي أَيَكُونُ ذلك أَوْ لا يَكُونُ » . فنزل قوله { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرسل } يعني : ما كنت أولهم ، وقد بعث قبلي رسل كثير ، { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ } ويقال : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ، يرحمني وإياكم ، أو يعذبني وإياكم . فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إذاً لا فرق بيننا وبينك ، كما نحن لا ندري ما يفعل بنا ، ولا تدري ما يفعل بك . وقد عير المشركون المسلمين فقالوا : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نجوى إِذْ يَقُولُ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا } [ الإسراء : 47 ] لا يدري ما يفعل به ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { تَبَارَكَ الذي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } [ الفرقان : 10 ] فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، نزل عليه { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } [ الفتح : 20 ] وقد نسخت هذه الآية { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نجوى إِذْ يَقُولُ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا } [ الأسراء : 47 ] .

ثم قال تعالى : { وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } يعني : مخوف ، مفقه لكم بلغة تعرفونها .