الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

قوله : { بِدْعاً } : فيه وجهان ، أحدهما : على حَذْفِ مضافٍ تقديرُه : ذا بِدْعٍ ، قاله أبو البقاء . وهذا على أَنْ يكونَ البِدْعُ مصدراً . والثاني : أَنَّ البِدْعَ بنفسِه صفةٌ على فِعْل بمعنى بديع كالخِفِّ والخَفيف . والبِدْعُ والبديعُ : ما لم يُرَ له مِثْلٌ ، وهو من الابتداع وهو الاختراعُ . أنشد قطرب :

4039ب فما أنا بِدْعٌ مِنْ حوادِثَ تَعْتَري *** رجالاً عَرَتْ مِنْ بعدِ بُؤْسَى بأَسْعُدِ

وقرأ عكرمة وأبو حيوةَ وابنُ أبي عبلة " بِدَعاً " بفتح الدال جمع بِدْعة أي : ما كنتَ ذا بِدَع . وجَوَّز الزمخشري أَنْ يكونَ صفةً على فِعَل ك " دِين قِيَم " و " لحم زِيَم " . قال الشيخ : " ولم يُثْبِتْ سيبويه صفةً على فِعَل إلاَّ قوماً عِدَا ، وقد اسْتُدْرِك عليه " لحم زِيَم " أي : متفرق ، وهو صحيحٌ . فأمَّا " قِيَم " فمقصورٌ مِنْ قيام ، ولولا ذلك لصَحَّتْ عينُه كما صَحَّتْ في حِوَل وعِوَض . وأمَّا قولُ العربِ : " مكان سِوَىً " و " ماء رِوَىً " ورجل رِضَا وماء صِرَىً فمتأوَّلَةٌ عند التَّصْريفيِّين " قلت : تأويلُها إمَّا بالمصدريَّة أو القَصْر كقِيَم في قيام .

وقرأ أبو حيوةَ أيضاً ومجاهد " بِدَع " بفتح الباء وكسر الدال وهو وصفٌ كحَذِر .

وقوله : " يُفْعَلُ " العامَّةُ على بنائه للمفعول . وابنُ أبي عبلة وزيد ابن علي مبنياً للفاعلِ أي : الله تعالى . والظاهرُ أنَّ " ما " في قولِه : { مَا يُفْعَلُ بِي } استفهاميةٌ مرفوعةٌ بالابتداءِ ، وما بعدها الخبرُ ، وهي معلِّقَةٌ لأَدْري عن العملِ ، فتكونُ سادَّةً مَسَدَّ مفعولَيْها . وجَوَّزَ الزمخشري أَنْ تكونَ موصولةً منصوبةً يعني أنها متعديةٌ لواحدٍ أي : لا أعْرِفُ الذي يفعلُه اللَّهُ تعالى .

قوله : { إِلاَّ مَا يُوحَى } العامَّةُ على بناء " يُوْحَى " للمفعول . وقرأ ابن عُمير بكسرِ الحاءِ على البناءِ للفاعلِ ، وهو اللَّهُ تعالى .