في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحۡصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِيمَٰهُمۡ لَا يَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافٗاۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} (273)

261

ثم يخص بالذكر مصرفا من مصارف الصدقة ؛ ويعرض صورة شفة عفة كريمة نبيلة ، لطائفة من المؤمنين . صورة تستجيش المشاعر ، وتحرك القلوب لإدراك نفوس أبية بالمدد فلا تهون ، وبالإسعاف فلا تضام ، وهي تأنف السؤال وتأبى الكلام :

( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ، لا يستطيعون ضربا في الأرض ، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ، تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا . وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ) . .

لقد كان هذا الوصف الموحي ينطبق على جماعة من المهاجرين ، تركوا وراءهم أموالهم وأهليهم ؛ وأقاموا في المدينة ووقفوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله ، وحراسة رسول الله [ ص ] كأهل الصفة الذين كانوا بالمسجد حرسا لبيوت الرسول [ ص ] لا يخلص إليها من دونهم عدو . وأحصروا في الجهاد لا يستطيعون ضربا في الأرض للتجارة والكسب . وهم مع هذا لا يسألون الناس شيئا . متجملون يحسبهم من يجهل حالهم أغنياء لتعففهم عن إظهار الحاجة ؛ ولا يفطن إلى حقيقة حالهم إلا ذوو الفراسة . .

ولكن النص عام ، ينطبق على سواهم في جميع الأزمان . ينطبق على الكرام المعوزين ، الذين تكتنفهم ظروف تمنعهم من الكسب قهرا ، وتمسك بهم كرامتهم أن يسألوا العون . إنهم يتجملون كي لا تظهر حاجتهم ؛ يحسبهم الجاهل بما وراء الظواهر أغنياء في تعففهم ، ولكن ذا الحس المرهف والبصيرة المفتوحة يدرك ما وراء التجمل . فالمشاعر النفسية تبدو على سيماهم وهم يدارونها في حياء . .

إنها صورة عميقة الإيحاء تلك التي يرسمها النص القصير لذلك النموذج الكريم . وهي صورة كاملة ترتسم على استحياء ! وكل جملة تكاد تكون لمسة ريشة ، ترسم الملامح والسمات ، وتشخص المشاعر والانفعالات . وما يكاد الإنسان يتم قراءتها حتى تبدو له تلك الوجوه وتلك الشخصيات كأنما يراها . وتلك طريقة القرآن في رسم النماذج الإنسانية ، حتى لتكاد تخطر نابضة حية !

هؤلاء الفقراء الكرام الذين يكتمون الحاجة كأنما يغطون العورة . . لن يكون إعطاؤهم إلا سرا وفي تلطف لا يخدش آباءهم ولا يجرح كرامتهم . . ومن ثم كان التعقيب موحيا بإخفاء الصدقة وإسرارها ، مطمئنا لأصحابها على علم الله بها وجزائه عليها :

( وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ) . .

الله وحده الذي يعلم السر ولا يضيع عنده الخير . .

/خ274

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحۡصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِيمَٰهُمۡ لَا يَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافٗاۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} (273)

{ للفقراء } متعلق بمحذوف أي اعمدوا للفقراء ، أو اجعلوا ما تنفقونه للفقراء ، أو صدقاتكم للفقراء . { الذين أحصروا في سبيل الله } أحصرهم الجهاد . { لا يستطيعون } لاشتغالهم به . { ضربا في الأرض } ذهابا فيها للكسب . وقيل هم أهل الصفة كانوا نحوا من أربعمائة من فقراء المهاجرين يسكنون صفة المسجد يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والعبادة ، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله { يحسبهم الجاهل } بحالهم ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين . { أغنياء من التعفف } من أجل تعففهم عن السؤال ، { تعرفهم بسيماهم } من الضعف ورثاثة الحال ، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لكل أحد . { لا يسألون الناس إلحافا } إلحاحا ، وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه ، من قولهم لحفي من فضل لحافه ، أي أعطاني من فضل ما عنده ، والمعنى أنهم لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا . وقيل : هو نفي للأمرين كقوله :

على لاحب أن يهتدي بمناره *** . . .

فنصبه على المصدر فإنه كنوع من السؤال ، أو على الحال . { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } ترغيب في الإنفاق وخصوصا على هؤلاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحۡصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِيمَٰهُمۡ لَا يَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافٗاۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} (273)

لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( 273 )

هذه اللام في قوله { للفقراء } متعلقة بمحذوف( {[2678]} ) مقدر ، تقديره الإنفاق أو الصدقة للفقراء ، وقال مجاهد والسدي وغيرهما : المراد بهؤلاء الفقراء فقراء المهاجرين( {[2679]} ) من قريش وغيرهم ، قال الفقيه أو محمد : ثم تتناول الآية كل من دخل تحت صفة الفقر غابر الدهر( {[2680]} ) ، وإنما خص فقراء المهاجرين بالذكر لأنه لم يكن هناك سواهم ، لأن الأنصار كانوا أهل أموال وتجارة في قطرهم ، ثم بيّن الله تعالى من أحوال أولئك الفقراء المهاجرين ما يوجب الحنو عليهم ، بقوله : { الذين أحصروا في سبيل الله } والمعنى حبسوا( {[2681]} ) ومنعوا وذهب بعض اللغويين إلى أن أحصر وحصر بمعنى واحد من الحبس والمنع سواء كان ذلك بعدو أو بمرض ونحوه من الأعذار ، حكاه ابن سيده وغيره ، وفسر السدي هنا الإحصار بأنه بالعدو . وذهب بعضهم إلى أن أحصر إنما يكون بالمرض والأعذار . وحصر بالعدو . وعلى هذا فسر ابن زيد وقتادة ورجحه الطبري . وتأول في هذه الآية أنهم هم حابسو أنفسهم بربقة الدين وقصد الجهاد وخوف العدو إذا أحاط بهم الكفر ، فصار خوف العدو عذراً أحصروا به .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : هذا متجه كأن هذه الأعذار أحصرتهم أي جعلتهم ذوي حصر ، كما قالوا قبره أدخله في قبره وأقبره جعله ذا قبر ، فالعدو وكل محيط يحصر ، والأعذار المانعة «تُحصِر » بضم التاء وكسر الصاد أي تجعل المرء كالمحاط( {[2682]} ) به ، وقوله : { في سبيل الله } يحتمل الجهاد ويحتمل الدخول في الإسلام ، واللفظ يتناولهما( {[2683]} ) ، والضرب في الأرض هو التصرف في التجارة ، وضرب الأرض هو المشي إلى حاجة الإنسان في البراز ، وكانوا لا يستطيعون الضرب في الأرض لكون البلاد كلها كفراً مطبقاً ، وهذا في صدر الهجرة ، فقلتهم تمنع من الاكتساب بالجهاد . وإنكار الكفار عليهم إسلامهم يمنع من التصرف في التجارة . فبقوا فقراء إلا أنهم من الانقباض وترك المسألة والتوكل على الله بحيث { يحسبهم الجاهل } بباطن أحوالهم { أغنياء }( {[2684]} ) و { التعفف } تفعل ، وهو بناء مبالغة من عفَّ عن الشيء إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه . وبهذا المعنى فسر قتادة وغيره( {[2685]} ) ، وقرأ نافع وأبو عمرو والكسائي «يحسِبهم » بكسر السين . وكذلك هذا الفعل في كل القرآن ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة «يحسبهم » بفتح السين في كل القرآن ، وهما لغتان في «يحسب » كعهد ويعهد بفتح الهاء وكسرها في حروف كثيرة أتت كذلك ، قال أبو علي فتح السين في يحسب أقيس لأن العين من الماضي مكسورة فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة ، والقراءة بالكسر حسنة بمجيء السمع به ، وإن كان شاذاً عن القياس ، و { من } في قوله : { من التعفف } لابتداء الغاية أي من تعففهم ابتدأت محسبته ، وليست لبيان الجنس لأن الجاهل بهم لا يحسبهم أغنياء غناء تعفف ، وإنما يحسبهم أغنياء غناء مال ، ومحسبته من التعفف ناشئة ، وهذا على أنهم متعففون عفة تامة عن المسألة ، وهو الذي عليه جمهور المفسرين ، لأنهم قالوا في تفسير قوله تعالى : { لا يسألون الناس إلحافاً } : المعنى لا يسألون البتة .

وتحتمل الآية معنى آخر من فيه لبيان الجنس ، سنذكره بعد( {[2686]} ) والسيما مقصورة العلامة . وبعض العرب يقول : السيمياء بزيادة ياء وبالمد ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] .

لَهُ سِيمِيَاءٌ لا تَشُقُّ على البَصَرْ( {[2687]} ) . . . واختلف المفسرون في تعيين هذه «السيما » التي يعرف بها هؤلاء المتعففون ، فقال مجاهد : هي التخشع والتواضع ، وقال السدي والربيع : هي جهد الحاجة وقضف( {[2688]} ) الفقر في وجوههم وقلة النعمة ، وقال ابن زيد : هي رثة الحال( {[2689]} ) ، وقال قوم ، وحكاه مكي : هي أثر السجود .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا حسن لأنهم كانوا متفرغين متوكلين لا شغل لهم في الأغلب إلا الصلاة ، فكان أثر السجود عليهم أبداً( {[2690]} ) ، و «الإلحاف » والإلحاح بمعنى واحد ، وقال قوم : هو مأخوذ من ألحف الشيء إذا غطاه وغمه بالتغطية ، ومنه اللحاف ، ومنه قول ابن الأحمر : [ الوافر ]

يَظَلُّ يَحُفُّهُنَّ بِقُفْقُفَيْهِ . . . وَيُلْحِفُهنَّ هَفهَافاً ثَخِينَا( {[2691]} )

يصف ذكر نعام يحضن بيضاً ، فكأن هذا السائل الملح يعم الناس بسؤاله فيلحفهم ذلك ، وذهب الطبري والزجاج وغيرهما إلى أن المعنى لا يسألون البتة .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : والآية تحتمل المعنيين نفي السؤال جملة ونفي الإلحاف فقط( {[2692]} ) ، أما الأولى فعلى أن يكون { التعفف } صفة ثابتة لهم ، ويحسبهم الجاهل بفقرهم لسبب تعففهم أغنياء من المال ، وتكون { من } لابتداء الغاية( {[2693]} ) ويكون قوله : { لا يسألون الناس إلحافاً } لم يرد به أنهم يسألون غير إلحاف بل المراد به التنبيه على سوء حالة من يسأل إلحافاً من الناس ، كما تقول : هذا رجل خير لا يقتل المسلمين . فقولك : «خير » قد تضمن أنه لا يقتل ولا يعصي بأقل من ذلك ، ثم نبهت بقولك لا يقتل المسلمين على قبح فعل غيره ممن يقتل ، وكثيراً ما يقال مثل هذا إذا كان المنبه عليه موجوداً في القضية مشاراً إليه في نفس المتكلم والسامع . وسؤال الإلحاف لم تخل منه مدة ، وهو مما يكره ، فلذلك نبه عليه .

وأما المعنى الثاني فعلى أن يكون { التعفف } داخلاً في المحسبة أي إنهم لا يظهر لهم سؤالاً ، بل هو قليل .

وبإجمال فالجاهل به مع علمه بفقرهم يحسبهم أغنياء عفة ، ف { من } لبيان الجنس( {[2694]} ) على هذا التأويل ، ثم نفى عنهم سؤال الإلحاف وبقي غير الإلحاف مقرراً لهم حسبما يقتضيه دليل الخطاب ، وهذا المعنى في نفي الإلحاف فقط هو الذي تقتضيه ألفاظ السدي ، وقال الزجّاج رحمه الله : المعنى لا يكون منهم سؤال فلا يكون إلحاف( {[2695]} ) .

وهذا كما قال امرؤ القيس : [ الطويل ]

عَلَى لاَحِبٍ يُهتَدَى بِمَنَارِهِ . . . ( {[2696]} )

أي ليس ثم منار فلا يكون اهتداء .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : إن كان الزجاج أراد لا يكون منهم سؤال البتة فذلك لا تعطيه الألفاظ التي بعد لا ، وإنما ينتفي السؤال إذا ضبط المعنى من أول الآية على ما قدمناه ، وإن كان أراد لا يكون منهم سؤال إلحاف فذلك نص الآية ، وأما تشبيهه الآية ببيت امرىء القيس فغير صحيح( {[2697]} ) ، وذلك أن قوله : على لاحب لا يهتدى بمناره وقوله الآخر : [ البسيط ] .

قِفْ بِالطُّلُولِ التي لَمْ يَعْفُهَا القدَمُ . . . ( {[2698]} )

وقوله الشاعر : [ المتقارب ]

وَمَنْ خفْتُ جَوْرِهِ فِي القَضَا . . . ء فَمَا خِفْتُ جَوْرَك يَا عَافِيهْ( {[2699]} )

وما جرى مجراه ترتيب يسبق منه أنه لا يهتدى بالمنار ، وإن كان المنار موجوداً فلا ينتفي إلا المعنى الذي دخل عليه حرف النفي فقط ، وكذلك ينتفي العفا وإن وجد القدم ، وكذلك ينتفي الخوف وإن وجد الجور ، وهذا لا يترتب في الآية ، ويجوز أن يريد الشعراء أن الثاني معدوم فلذلك أدخلوا على الأول حرف النفي إذ لا يصح الأول إلا بوجود الثاني ، أي ليس ثم منار ، فإذاً لا يكون اهتداء بمنار ، وليس ثم قدم فإذاً لا يكون عفا ، وليس ثم جور فإذاً لا يكون خوف ، وقوله تعالى : { لا يسألون الناس إلحافاً } ، لا يترتب فيه شيء من هذا ، لأن حرف النفي دخل على أمر عام للإلحاف وغيره ، ثم خصص بقوله : { إلحافاً } جزءاً من ذلك العام فليس بعدم الإلحاف ينتفي السؤال ، وبيت الشعر ينتفي فيه الأول بعدم الثاني إذ دخل حرف النفي فيه على شيء متعلق وجوده بوجود الذي يراد أنه معدوم ، والسؤال ليس هكذا مع الإلحاف ، بل الأمر بالعكس إذ قد يعدم الإلحاف منهم ويبقى لهم سؤال لا إلحاف فيه ، ولو كان الكلام لا يلحفون الناس سؤالاً لقرب الشبه بالأبيات المتقدمة ، وكذلك لو كان بعد لا يسألون شيء إذا عدم السؤال ، كأنك قلت تكسباً أو نحوه لصح الشبه( {[2700]} ) ، والله المستعان وقوله تعالى : { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } وعد محض أي يعلمه ويحصيه ليجازي عليه ويثيب .


[2678]:- يدل على هذا المحذوف ما سبق من ذكر الصدقة والنفقة.
[2679]:- وهم أهل الصفة، وكانوا نحوا من أربعمائة شخص، وكان زعيمهم أبو هريرة الصحابي الجليل، وكانوا يسكنون المسجد، ويعيشون على الناس بحكم الضرورة، ولما اتسع المسلمون وفتح الله عليهم خرجوا وملكوا.
[2680]:- لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على ما عليه أكثر علماء الشريعة.
[2681]:- أي: حبسوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله كما يأتي عن الإمام (ط) رحمه الله.
[2682]:- خلاصة هذا أن من أهل اللغة من جعل أُحصر وحُصر بمعنى، ومنهم من فرق بينهما فجعل حُصر في العدو وأُحصر في المرض ونحوه من الأعذار، وقد ارتضى هذا الفرق ابن عطية رحمه الله، ووجهه، ومرجعه إلى أن الاحصار في منع النفس كالمرض والحصر في منع الغير كالعدو والله أعلم وقد تقدم الكلام على هذا لدى قوله تعالى: [فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي].
[2683]:- هذا أوضح وأقرب، قال الإمام الباجي في شرح "الموطأ": جميع أعمال البر هي سبيل الله إلا أن هذه اللفظة إذا أُطلقت في الشرع اقتضت غزو العدو، ا هـ.
[2684]:- ليس الجهل هنا ضد العقل بل المراد به ضد الخبرة، أي الذي لا خبرة له بأمرهم.
[2685]:- قال أهل اللغة: عفَّ واستَعَفَّ وتَعَفَّفَ بمعنى واحد، ولعل ابن عطية رحمه الله راعى المقام فقال بكثرة التعفف، والله أعلم.
[2686]:- أي في قوله: «والآية تحتمل المعنيين: نفي السؤال جملة، ونفي الإلحاف فقط الخ».
[2687]:- الشاعر هو أُسيد بن عنقاء الفزاري، كما في "الأمالي"، وفي معجم الشعراء أنه لقيس ابن عنقا الفزاري، والبيت بتمامه: غلام رماه الله بالحُسن يافِعاً له سيمياءُ لا تشُقَّ على البصَر
[2688]:- يقال فلان قضيف: أي نحيف وهزيل قليل اللحم والشحم.
[2689]:- أي الهيئة، وفي بعض النسخ: "رئة الثياب"، ويقال في اللغة: رثت هيئته، ورثت ثيابه أي ضعفت وهانت، والرثة بكسر الراء.
[2690]:- أي بادياً عليهم على الدوام، لتفرغهم، وكثرة قيامهم، وفي كتاب الله العزيز: [سيماهم في وجوههم من أثر السّجود]، وهذا في الصحابة كلهم إلا أنه في هؤلاء الفقراء أكثر.
[2691]:- البيت لعمر بن أحمر بن العمود الباهلي – وقَفْقَفا الطائر والظليم: جناحاه – ويُلْحِفْهُنَّ: يجعل عليهن لحافاً من الجناحين – والهفَّاف والهَفْهَاف: الرقيق الشفاف من الثياب، والثخين: الكثيف – يريد الشاعر أن هذا الظليم يحضن البيض، ويجعل عليه جناحين كاللحاف الرقيق الشفاف مع كثافته – وإنما كان كثيفا لكثرة الريش مع تراكبه.
[2692]:- إذا ورد النفي على موصوف بصفة فإنما يتسلّط على تلك الصفة دون متعلقها نحو: لا رجل قائم – فمعناه، نفي القيام مع وجود الرجل، وهذا هو الأكثر في كلامهم، وقد يتجه النفي إلى الموصوف فينتفي الوصف بانتفائه، فقولهم: لا رجل قائم معناهك لا رجل موجود فلا قيام، وهي طريقة معروفة. قال امرؤ القيس: على لاحبٍ لا يُهتدى بِمَنَـارِه إذا ساقه العَوْدُ النِّباطيُّ جَرْجـرا أي: لا منار فلا هداية به، وليس المراد أن هناك مناراً لا يهتدى به. وقال الشاعر: لا يُفْـزعُ الأرْنَبَ أهْوَالُــهَا ولا تَـرى الضَّب بِها يَنْجَحِــرْ أي: لا أرنب فلا يفزعها هول، ولا ضبَّ فلا انجحار. ويُخَرَّج على هذه الطريقة قوله تعالى: [لا يسألون الناس إلحافا] أي لا سؤال فلا إلحاف، ولقد أشار إلى هذه الطريقة ابن عطية رحمه الله ووضحها بقوله: أريد به التنبيه على سوء حالة من يسأل إلحافاً من الناس إلخ. والله أعلم.
[2693]:- ها هنا أقوال ثلاثة – قيل: (من) لابتداء الغاية، وقيل: لبيان الجنس، وقيل: سببية وهو أظهر، وكونها لبيان الجنس يؤول إلى أنها سببية، إلا أنها على السببية تتعلق بـ [يَحْسَبَهُمُ]، وعلى بيان الجنس تتعلق بـ [أغنياء].
[2694]:- أي جنس الغنى أهو غني عفة النفس أم غنى وجود المال ؟ والغنى في الحقيقة هو غنى النفس لا غنى المال، وهذا في الجاهل بالتعفف والعالم بالفقر. والمعنى الأول في العالم بالتعفف والجاهل بالفقر، وكيفما كان الأمر فالعفة والقناعة صفة شريفة، فقد قال أهل التحقيق والتوفيق: من لم يرض باليسر فهو أسير.
[2695]:- هذا قول الإمام الطبري، والزجاج، وكثير من المفسرين، ووجهه أن التعفف صفة ثابتة لهم لا تفارقهم، ومجرد السؤال ينافيها.
[2696]:- تمامه: ............................ إذا ساقه العَوْدُ النباطيُّ جَرْجَـراَ واللاحب: الطريق الواضح – سافَه الطريق: لازمه – والعَوْدُ: المُسِنُّ من الإبل وفيه بقية – وجَرْجَر البعير: ردد صوته في حنجرته عند الضجر.
[2697]:- وجْهُهُ – كما أشار إليه- أن تركيب الآية الكريمة غير تركيب الشعراء الثلاثة – ففي الآية دخل النفي على الموصوف، وفي الأبيات دخل على الصفة، وكان يجب أن يكون المعنى على تشبيه الزجاج الآية ببيت امرئ القيس - «لا إلحاف فلا سؤال»، وهذا غير صحيح، لأنه لا يلزم من نفي الخاص نفي العام، وأما في الأبيات فإنه ينتفي الثاني بانتفاء الأول ضرورة انتفاء الخاص بانتفاء العام، والجواب كما قاله بعض المحققين: أن التشبيه في مطلق انتفاء الشيئين بصرف النظر عن خصوصية النفي. أي: لا سؤال، ولا إلحاف، كما أنه لا منار ولا هداية.
[2698]:- الشاعر هو زهير بن أبي سلمى، والبيت من جملة قصيدة يمدح بها هَرم بن سنان. وهو بتمامه: قِفْ بالدِّيار التي لمْ يُعْفِهَا القِـدَمُ بلى، وغيَّرها الأرْواح والدِّيَمُ ولم يعفها: لم يمحها ويذهب بأثرها – والأرواح: جمع ريح، وهو غير قياسي – والدِّيَـمُ: جمع ديمة – والديمة هي المطر بطول زمانه في سكون.
[2699]:- اختصم أبو دلامة مع رجل إلى (عافية) قاضي أبي جعفر المنصور، فادعى الرجل عليه فقال له القاضي ما تقول ؟ فقال: اسمع أولا وأنشأ يقول: لقـدْ خَاصَمَتْنِي دُهَاة الرِّجــال وخاصَمتُها سنةً وافِيَــهْ فمـــا أدْحَضَ الله لي حُجَّـةً ولا خَيَّبَ الله لي قَافِيَــهْ ومنْ خِفْتُ مِنْ جُورِه في القضاء فلستُ أخاَفُـكَ يا عافِيَــهْ فغضب وقال: لأشكونك إلى أمير المؤمنين، وقال أبو دلامة: ولم تشكوني ؟ قال: لأنك هجوتني. قال: والله إذن يعزلك، قال: ولم يعزلني ؟ قال: لأنك لا تعرف المديح من الهجاء. انظر الأغاني.
[2700]:- أي: لو كان تركيب الآية: «لا يلحفون الناس سؤالا»، أو: «لا يسألون الناس تكسّبا» لكان التشبيه قريبا، وقد قدمنا أن مراد الزجاج – رحمه الله – التشبيه المطلق، أي انتفاء الأمرين في الآية، وفي بيت امرئ القيس بصرف النظر عن خصوصية النفي وبذلك تندفع مناقشة ابن عطية له كما نبه على ذلك أبو (ح) وتأمل قول ابن عطية: «لا يسألون شيء إذا عدم عدم السؤال» فلعل صواب الكلام: «لايسألون عن شيء، أو: لا يسألون شيئا». والله أعلم. وقوله - «لصح الشبه» جواب "لو" في قوله: "لو كان بعد".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحۡصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِيمَٰهُمۡ لَا يَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافٗاۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} (273)

{ للفقراء } متعلّق بتنفقون الأخير ، وتعلّقه به يؤذن بتعلّق معناه بنظائره المقدّمة ، فما من نفقة ذكرت آنفاً إلاّ وهي للفقراء لأنّ الجمل قد عضد بعضها بعضاً .

و { الذين أحصروا } أي حبسوا وأرصدوا . ويحتمل أنّ المراد بسبيل الله هنا الجهاد ؛ فإن كان نزولها في قوم جرحوا في سبيل الله فصاروا زمْنَى ، ففي للسبيبة والضرب في الأرض المشي للجهاد بقرينة قوله : { في سبيل الله } ، والمعنى أنّهم أحقّاء بأن ينفق عليهم لعجزهم الحاصل بالجهاد ؛ وإن كانوا قوماً بصدد القتال يحتاجون للمعونة ، ففي للظرفية المجازية ؛ وإن كان المراد بهم أهل الصفة{[196]} ، وهم فقراء المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم بمكة وجاؤوا دار الهجرة لا يستطيعون زراعة ولا تجارة ، فمعنى أحصروا في سبيل الله عِيقوا عن أعمالهم لأجل سبيل الله وهو الهجرة ، ففي للتعليل . وقد قيل : إنّ أهل الصفة كانوا يخرجون في كل سريّة يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه فسبيل الله هو الجهاد . ومعنى « أحصروا » على هذا الوجه أرصدوا . و ( في ) باقية على التعليل .

والظاهر من قوله : { لا يستطيعون ضرباً } أنّهم عاجزون عن التجارة لقلّة ذات اليد ، والضرب في الأرض كناية عن التجر لأنّ شأن التاجر أن يسافر ليبتاع ويبيع فهو يضرب الأرض برجليه أو دابّته .

وجملة { لا يستطيعون ضرباً } يجوز أن تكون حالاً ، وأن تكون بياناً لجملة أحصروا .

وقوله : { يحسبهم الجاهل أغنياء } حال من الفقراء ، أي الجاهل بحالهم من الفقر يظنّهم أغنياء ، ومن للابتداء لأنّ التعفّف مبدأ هذا الحسبان .

والتعفّف تكلّف العفاف وهو النزاهة عمّا يليق . وفي « البخاري » باب الاستعفاف عن المسألة ، أخرج فيه حديث أبي سعيد : أنّ الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ، ثم سألوه فأعطاهم ، حتى نفِدَ ما عنده فقال : " ما يكون عندي من خير فلن أدّخره عنكم ، ومن يستعفف يُعِفّه الله ، ومن يستغنِ يُغْنِه الله ، ومن يتصبّر يصبِّره الله " .

وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي وخلف ويعقوب يحسِبهم بكسر السين وقرأه الباقون بفتح السين ، وهما لغتان .

ومعنى { تعرفهم بسماهم } أي بعلامة الحاجة والخطاب لغير معيَّن ليعم كلّ مخاطب ، وليس للرسول لأنّه أعلم بحالهم . والمخاطب بتَعْرفهم هو الذي تصدّى لتطّلع أحوال الفقراء ، فهو المقابل للجاهل في قوله : { يحسبهم الجاهل أغنياء } .

والجملة بيان لجملة { يحسبهم الجاهل أغنياء } ، كأنّه قيل : فبماذا تصل إليهم صدقات المسلمين إذا كان فقرهم خفيّاً ، وكيف يُطّلع عليهم فأحيل ذلك على مظنّة المتأمّل كقوله : { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } [ الحجر : 75 ] .

والسيما العلامة ، مشتقة من سَام الذي هو مقلوب وَسَم ، فأصلها وِسْمَى ، فوزنها عِفْلَى ، وهي في الصورة فِعْلى ، يدل لذلك قولهم سِمَة ؛ فإنّ أصلها وِسْمَة .

ويقولون سِيمى بالقصر وسِيماء بالمد وسِيميَاء بزيادة ياء بعد الميم وبالمد ، ويقولون سَوّم إذا جَعَل سِمة . وكأنّهم إنّما قلبوا حروف الكلمة لقصد التوصّل إلى التخفيف بهذه الأوزان لأنّ قلب عين الكلمة متأتّ بخلاف قلب فائها . ولم يسمع من كلامهم فِعْل مجردٌ من سوّم المقلوب ، وإنّما سمع منه فعل مضاعف في قولهم سَوّم فرسه .

وقوله : { لا يسألون الناس إلحافاً } بيان لقوله يحسبهم الجاهل أغنياء بياناً ثانياً ، لكيفية حُسبانهم أغنياء في أنّهم لا يسألون الناس . وكان مُقتضى الظاهر تقديمه على الذي قبله إلاّ أنّه أخّر للاهتمام بما سبقه من الحقّ على توسّم احتياجهم بأنّهم محصرون لا يستطيعون ضرباً في الأرض لأنّه المقصود من سياق الكلام .

فأنت ترى كيف لم يغادر القرآن شيئاً من الحثّ على إبلاغ الصدقات إلى أيدي الفقراء إلاّ وقد جاء به ، وأظهر به مزيد الاعتناء .

والإلحاف الإلحاح في المسألة . ونُصب على أنّه مفعول مطلق مُبيّن للنوع ، ويجوز أن يكون حالاً من ضمير يسألون بتأويل مُلحفين . وأيَّا ما كان فقد نفي عنهم السؤال المقيّد بالإلحاف أو المقيدون فيه بأنّهم مُلحفون وذلك لا يفيد نفي صدور المسألة منهم مع أنّ قوله : { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } يدل على أنّهم لا يسألون أصلاً ، وقد تأوّله الزجاج والزمخشري بأنّ المقصود نفي السؤال ونفيُ الإلحاف معاً كقول امرىء القيس :

* عَلَى لاَحِبٍ لاَ يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ *

يُريد نفي المنار والاهتداء ، وقرينة هذا المقصود أنّهم وصفوا بأنّهم يُحسبون أغنياء من التعفّف ، ونظيره قوله تعالى : { ما للظالمين من حميم ولا شفيعٍ يُطاعُ } [ غافر : 18 ] أي لا شفيع أصلاً ، ثم حيث لا شفيع فلا إطاعة ، فأنتج لا شفيع يطاع ، فهو مبالغة في نفي الشفيع لأنّه كنفيه بنفي لازمه وجعلوه نوعاً من أنواع الكناية ، وقال التفتازاني : « إنّما تحسن هذه الطريقة إذا كان القيد الواقع بعد النفي بمنزلة اللازم للنفي لأنّ شأن اللاّحب أن يكون له مَنار ، وشأنَ الشفيع أن يُطاع ، فيكون نفي اللازم نفياً للملزوم بطريق برهاني ، وليس الإلحاف بالنسبة إلى السؤال كذلك ، بل لا يبعد أن يكون ضدُّ الإلحاف وهو الرفق والتلطّف أشبه باللازم » ( أي أن يكون المنفي مُطرّد اللزوم للمنفي عنه ) . وجوّز صاحب « الكشاف » أن يكون المعنى أنّهم إن سألوا سألوا بتلطّف خفيف دون إلحاف ، أي إنّ شأنهم أن يتعفّفوا ، فإذا سألوا سألوا بغير إلحاف ، وهو بعيد لأنّ فصل الجملة عن التي قبلها دليل على أنّها كالبيان لها ، والأظهر الوجه الأول الذي جعل في « الكشاف » ثانياً وأجاب الفخر بأنّه تعالى وصفهم بالتعفّف فأغنى عن ذكر أنّهم لا يسألون ، وتعين أنّ قوله : { لا يسألون الناس إلحافاً } تعريض بالملحفين في السؤال ، أي زيادة فائدة في عدم السؤال .

{ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ } .

أعيد التحريض على الإنفاق فذكر مرة رابعَة ، وقوله : { فإن الله به عليم } كناية عن الجزاء عليه لأن العلم يكنّى به عن أثره كثيراً ، فلما كان الإنفاق مرغّباً فيه من الله ، وكان عِلم الله بذلك معروفاً للمسلمين ، تعيَّن أن يكون الإخبارُ بأنّه عليم به أنّه عليم بامتثال المنفق ، أي فهو لا يضيع أجره إذ لا يمنعه منه مانع بعد كونه عليماً به ، لأنّه قدير عليه . وقد حصل بمجموع هذه المرات الأربع من التحريض ما أفاد شدة فضل الإنفاق بأنّه نفع للمنفِق ، وصلة بينه وبين ربّه ، ونوال الجزاء من الله ، وأنّه ثابت له في علم الله .


[196]:- الصفة – بضم الصاد وتشديد الفاء – بهو واسع طويل السمك، وهو موضع بناء النبيء صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي بالمدينة كالرواق ليأوي إليه فقراء المهاجرين الذين خرجوا من أموالهم بمكة وكانوا أربعمائة في عددهم وكانوا يقلون ويكثرون، منهم أبو ذر جندب الغفاري ومنهم أبو هريرة. ومنهم جعيل بن سراقة الضمري ولم أقف على غيرهم. وذكر مرتضى في شرح القاموس أنه جمع من أسمائهم اثنين وتسعين، وعن أبي ذر كنا إذا أمسينا حضرنا باب رسول الله فيأمر كل رجل فينصرف برجل ويبقى من بقي مع رسول الله عشرة أو أقل يؤتى رسول الله بعشائه فتتعشى معه فإذا فرغنا قال لنا: ناموا في المسجد، كان هذا في صدر أيام الهجرة ثم فتح الله على المسلمين فاستغغنوا وخرجوا ودامت الصفة حياة النبيء صلى الله عليه وسلم فقد عد أبو هريرة من أصحابها وهو أسم عام خيبر.