الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحۡصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِيمَٰهُمۡ لَا يَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافٗاۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} (273)

الجار متعلق بمحذوف . والمعنى : اعمدوا للفقراء ، واجعلوا ما تنفقون للفقراء ، كقوله تعالى : { في تسع آيات } [ النمل : 12 ] ويجوزأن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي صدقاتكم للفقراء . و { الذين أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ الله } هم الذين أحصرهم الجهاد { لاَ يَسْتَطِيعُونَ } لاشتغالهم به { ضَرْبًا فِى الارض } للكسب . وقيل هم أصحاب الصفة ، وهم نحو من أربعمائة رجل من مهاجري قريش لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر ، فكانوا في صفة المسجد وهي سقيفته يتعلمون القرآن بالليل ، ويرضخون النوى بالنهار . وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى . وعن ابن عباس رضي الله عنهما :

وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على أصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال : « أَبْشِرُوا يا أصحاب الصفة ، فمن بقي من أَمْتي على النعت الذي أنتم عليه راضياً بما فيه فإنه من رفقائي في الجنة » { يَحْسَبُهُمُ الجاهل } بحالهم { أَغْنِيَاءَ مِنَ التعفف } مستغنين من أجل تعففهم عن المسألة { تَعْرِفُهُم بسيماهم } من صفرة الوجه ورثاثة الحال . والإلحاف : الإلحاح ، وهو اللزوم وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه . من قولهم : لحفني من فضل لحافه ، أي أعطاني من فضل ما عنده . وعن النبي صلى الله عليه وسلم . « إنّ الله تعالى يحبّ الحَيّيِ الحليم المتعفف ، ويبغض البذيّ السئال الملحف » ومعناه : أنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا وقيل : هو نفي للسؤال والإلحاف جميعاً كقوله :

عَلَى لاَحِبٍ لاَ يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ *** يريد نفي المنار والاهتداء به .