النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحۡصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِيمَٰهُمۡ لَا يَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافٗاۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} (273)

قوله عز وجل : { لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ } قيل هم فقراء المهاجرين ، وفي أحصروا أربعة أقاويل :

أحدها : أنهم منعوا أنفسهم من التصرف للمعاش خوف العدو من الكفار ، قاله قتادة ، وابن زيد .

والثاني : منعهم الكفار بالخوف منهم ، قاله السدي .

والثالث : منعهم الفقر من الجهاد .

والرابع : منعهم التشاغل بالجهاد عن طلب المعاش{[458]} .

{ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ } فيه قولان :

أحدهما : يعني تصرفاً ، قاله ابن زيد .

والثاني : يعني تجارة ، قاله قتادة ، والسدي .

{ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ } يعني من قلة خبرته بهم ، ومن التعفف : يعني من التقنع والعفة والقناعة .

{ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } السمة : العلامة ، وفي المراد بِهَا هُنَا قولان :

أحدهما : الخشوع ، قاله مجاهد .

والثاني : الفقر ، قاله السدي .

{ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً } فيه وجهان :

أحدهما : أن يسأل وله كفاية .

والثاني : أنه الاشتمال{[459]} بالمسألة ، ومنه اشتق اسم اللحاف . فإن قيل : فهل كانوا يسألون غير إلحاف ؟ قيل : لا ؛ لأنهم كانوا أغنياء من التعفف ، وإنما تقدير الكلام لا يسألون فيكون سؤالهم إلحافاً .

قال ابن عباس [ نزلت ] في أهل الصُفَّة من المهاجرين : لم يكن لهم بالمدينة منازل ولا عشائر وكانوا نحو أربعمائة .


[458]:- أي إن الإلحاف يشتمل على وجود الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف من التغطية بمعنى أن السائل يعم الناس بسؤاله فيلحفهم بذلك.
[459]:- سقط من ق.