بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحۡصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِيمَٰهُمۡ لَا يَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافٗاۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} (273)

ثم بيّن موضع الصدقة فقال تعالى : { لِلْفُقَرَاء الذين أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ الله } يعني النفقة والصدقة للفقراء الذين حبسوا أنفسهم في طاعة الله ، وهم أصحاب الصّفّة كانوا نحواً من أربعمائة رجل ، جعلوا أنفسهم للطاعة ، وتركوا الكسب والتجارة . قوله : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الارض } أي لا يستطيعون الخروج إلى السفر في التجارة . { يَحْسَبُهُمُ الجاهل } قرأ حمزة وعاصم وابن عامر : { يحسبهم } بنصب السين في جميع القرآن ، وقرأ الباقون : بالكسر وتفسير القراءتين واحد ، يعني يظن الجاهل بأمرهم وشأنهم أنهم { أَغْنِيَاء مِنَ التعفف } لأنهم يظهرون أنفسهم للناس باللباس وغيره ، كأنهم أغنياء ويتعففون عن المسألة . قوله { تَعْرِفُهُم بسيماهم } أي بصفرة الوجوه من قيام الليل وصوم النهار { لاَ يسألون الناس إلحافا } يعني إلحاحاً قال ابن عباس رضي الله عنه : لا يسألون الناس إلحاحاً ولا غير إلحاح ، ويقال : أصله من اللحاف ، لأن السائل إذا كان ملحّاً ، فكأنه يلصق بالمسؤول فيصير كاللحاف يلتصق ، وجعل ذلك كناية عنه .

ثم قال تعالى : { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ } يعني عليم بما أنفقتم ويقال هذا على معنى التحريض ، فكأنه يقول عليكم بالفقراء الذين أحصروا في سبيل الله . وقال بعضهم : هذا على معنى التعجب ، فكأنه يقول عجباً للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ويقال : إنه رد إلى أول الآية { وَمَا أَنفَقْتُم مّن نَّفَقَةٍ } { لِلْفُقَرَاء الذين أُحصِرُواْ }