ويمضي معهم في مناقشة القضية - قضية الوحي - من زاوية أخرى واقعية مشهودة . فماذا ينكرون من أمر الوحي والرسالة ؛ ولم يعجلون بتهمة السحر أو تهمة الافتراء ? وليس في الأمر غريب ولا عجيب :
( قل : ما كنت بدعا من الرسل . وما أدري ما يفعل بي ولا بكم . إن أتبع إلا ما يوحى إلي . وما أنا إلا نذير مبين ) . .
إنه[ صلى الله عليه وسلم ] ليس أول رسول . فقد سبقته الرسل . وأمره كأمرهم . وما كان بدعا من الرسل . بشر يعلم الله أنه أهل للرسالة فيوحي إليه ، فيصدع بما يؤمر . هذا هو جوهر الرسالة وطبيعتها . . والرسول حين يتصل قلبه لا يسأل ربه دليلا ، ولا يطلب لنفسه اختصاصا إنما يمضي في سبيله ، يبلغ رسالة ربه ، حسبما أوحي بها إليه : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم . إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) . . فهو لا يمضي في رسالته لأنه يعلم الغيب ؛ أو لأنه يطلع على ما يكون من شأنه وشأن قومه وشأن الرسالة التي يبشر بها . إنما هو يمضي وفق الإشارة وحسب التوجيه . واثقا بربه ، مستسلما لإرادته ، مطيعا لتوجيهه ، يضع خطاه حيث قادها الله . والغيب أمامه مجهول ، سره عند ربه . وهو لا يتطلع إلى السر من وراء الستر لأن قلبه مطمئن ، ولأن أدبه مع ربه ينهاه عن التطلع لغير ما فتح له . فهو واقف أبدا عند حدوده وحدود وظيفته : ( وما أنا إلا نذير مبين ) . .
وإنه لأدب الواصلين ، وإنها لطمأنينة العارفين ، يتأسون فيها برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيمضون في دعوتهم لله . لا لأنهم يعرفون مآلها ، أو يعلمون مستقبلها . أو يملكون فيها قليلا أو كثيرا . ولكن لأن هذا واجبهم وكفى . وما يطلبون من ربهم برهانا فبرهانهم في قلوبهم . وما يطلبون لأنفسهم خصوصية فخصوصيتهم أنه اختارهم . وما يتجاوزون الخط الدقيق الذي خطه لهم ، ورسم لهم فيه مواقع أقدامهم على طول الطريق .
{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرسل } أي بديعاً منهم يعني لست مبتدعاً لأمر يخالف أمورهم بل جئت بما جاؤا به من الدعوة إلى التوحيد أو فعلت نحو ما فعلوا من إظهار ما آتاني الله تعالى من المعجزات دون الإتيان بالمقترحات كلها ، فقد قيل : إنهم كانوا يقترحون عليه عليه الصلاة والسلام آيات عجيبة ويسألونه عن المغيبات عناداً ومكابرة فأمر صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ذلك ، ونظير { بدع } الخف بمعنى الخفيف والخل بمعنى الخليل فهو صفة مشبهة أو مصدر مؤول بها ، وجوز إبقاؤه على أصله . وقرأ عكرمة . وأبو حيوة . وابن أبي عبلة { بِدعاً } بفتح الدال ، وخرج على أنه جمع بدعة كسدرة وسدر ، والكلام بتقدير مضاف أي ذا بدع أو مصدر والاخبار به مبالغة أو بتقدير المضاف أيضاً .
وقال الزمخشري : يجوز أن يكون صفة على فعل كقولهم . دين قيم ولحم زيم أي متفرق ، قال في «البحر » : ولم يثبت سيبويه صفة على هذا الوزن إلا عدي حيث قال : ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع وهو قوم عدي ، واستدرك عليه زيم وهو استدراك صحيح ، وأما قيم فمقصور من قيام ولولا ذلك لصحت عينه كما صحت في حول وعوض ، وأما قول العرب : مكان سوى وماء روى ورجل رضا وماء صرى فمتأولة عند التصريفيين إما بالمصدر أو بالقصر ، وعن مجاهد . وأبي حيوة { بِدْعاً } بفتح الباء وكسر الدار وهو صفة كحذر .
{ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ } أي في الدارين على التفصيل كما قيل .
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه قال في الآية : أما في الآخرة فمعاذ الله تعالى قد علم صلى الله عليه وسلم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل ولكن ما أدري ما يفعل بي في الدنيا أأخرج كما أخرجت الأنبياء عليهم السلام من قبلي أم أقتل كما قتلت الأنبياء عليهم السلام من قبلي ولا بكم أأمتي المكذبة أم أمتي المصدقة أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قذفاً أم المخسوف بها خسفاً ثم أوحى إليه { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس } [ الإسراء : 60 ] يقول سبحانه : أحطت لك بالعرب أن لا يقتلوك فعرف عليه الصلاة والسلام أنه لا يقتل ثم أنزل الله تعالى { هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ وكفى بالله شَهِيداً } [ الفتح : 28 ] يقول : أشهد لك على نفسه أنه سيظهر دينك على الأديان ثم قال سبحانه له عليه الصلاة والسلام في أمته : { وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] فأخبره الله تعالى بما صنع به وما يصنع بأمته ، وعن الكلبي أنه صلى الله عليه وسلم قال له أصحابه وقد ضجروا من أذى المشركين : حتى متى نكون على هذا ؟ فقال : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي ورأيتها يعني في منامه ذات نخل وشجر .
وحكى في «البحر » عن مالك بن أنس . وقتادة . وعكرمة . والحسن أيضاً . وابن عباس أن المعنى ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، وأخرج أبو داود في ناسخه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه قال في الآية : نسختها الآية التي في الفتح يعني { لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] فخرج صلى الله عليه وسلم إلى الناس فبشرهم بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال رجل من المؤمنين : هنيئاً لك يا نبي الله قد علمنا الآن ما يفعل بك فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى في سورة الأحزاب ( 47 ) { وَبَشّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً } وقال سبحانه : { لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَا وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم } [ الفتح : 5 ] فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم . واستشكل على تقدير صحته بأن النسخ لا يجري في الخبر فلعل المنسوخ الأمر بقوله تعالى : { قُلْ } إن قلنا : إنه هنا للتكرار أو المراد بالنسخ مطلق التغيير .
وقال أبو حيان : هذا القول ليس بظاهر بل قد أعلم الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام من أول الرسالة بحاله وحال المؤمن وحال الكافر في الآخرة ، وقال الإمام : أكثر المحققين استبعدوا هذا القول واحتجوا بأن النبي لا بد أن يعلم من نفسه كونه نبياً ومتى علم ذلك علم أنه لا يصدر عنه الكبائر وأنه مغفور وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكاً في أنه هل هو مغفور له أم لا ، وبأنه لا شك أن الأنبياء أرفع حالاً من الأولياء ، وقد قال الله تعالى فيهم : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] فكيف يعتقد بقاء الرسول وهو رئيس الأنبياء وقدوة الأولياء شاكاً في أنه هل هو من المغفورين أم لا ، وقد يقال : المراد أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام ما يدري ذلك على التفصيل ، وما ذكر لا يتعين فيه حصول العلم التفصيلي لجواز أن يكون عليه الصلاة والسلام قد أعلم بذلك في مبدأ الأمر إجمالاً بل في إعلامه صلى الله عليه وسلم بعد بحال كل شخص شخص على سبيل التفصيل بأن يكون قد أعلم عليه الصلاة والسلام بأحوال زيد مثلاً في الآخرة على التفصيل وبأحوال عمرو وكذلك وهكذا توقف .
وفي «صحيح البخاري » وأخرجه الإمام أحمد . والنسائي . وابن مردويه عن أم العلاء ، وكانت بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت لما مات عثمان بن مظعون : رحمة الله تعالى عليك يا أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وما يدريك أن الله تعالى أكرمه ؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل بي ولا بكم قالت أم العلاء : فوالله ما أزكي بعده أحداً ، وفي رواية ابن حبان .
والطبراني عن زيد بن ثابت أنها قالت لما قبض طب : أبا السائب نفسك إنك في الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم . وما يدريك ؟ قالت : يا رسول الله عثمان بن مظعون قال : أجل وما رأينا إلا خيراً والله ما أدري ما يصنع بي ، وفي رواية الطبراني . وابن مردويه عن ابن عباس أنه لما مات قالت امرأته أو امرأة : هنيئاً لك ابن مظعون الجنة فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر مغضب وقال : وما يدريك ؟ والله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل الله بي فقالت : يا رسول الله صاحبك وفارسك وأنت أعلم فقال : أرجو له رحمة ربه تعالى وأخاف عليه ذنبه ، لكن في هذه الرواية أن ابن عباس قال : وذلك قبل أن ينزل { لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] وعن الضحاك المراد لا أدري ما أومر به ولا ما تؤمرون به في باب التكاليف والشرائع والجهاد ولا في الابتلاء والامتحان ، والذي اختاره أن المعنى على نفي الدراية من غير جهة الوحي سواء كانت الدراية تفصيلية أو إجمالية وسواء كان ذلك في الأمور الدنيوية أو الأخروية وأعتقد أنه صلى الله عليه وسلم لم ينتقل من الدنيا حتى أوتي من العلم بالله تعالى وصفاته وشؤنه والعلم بأشياء يعد العلم بها كمالاً ما لم يؤته أحد غيره من العالمين ، ولا أعتقد فوات كمال بعدم العلم بحوادث دنيوية جزئية كعدم العلم بما يصنع زيد مثلاً في بيته وما يجري عليه في يومه أو غده ، ولا أرى حسناً قول القائل : إنه عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب واستحسن أن يقال بدله : إنه صلى الله عليه وسلم أطلعه الله تعالى على الغيب أو علمه سبحانه إياه أو نحو ذلك ، وفي الآية رد على من ينسب لبعض الأولياء علم كل شيء من الكليات والجزئيات ، وقد سمعت خطيباً على منبر المسجد الجامع المنسوب للشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره يوم الجمة قال بأعلى صوت : يا باز أنت أعلم بي من نفسي ، وقال لي بعض : إني لأعتقد أن الشيخ قدس سرهع يعلم كل شيء مني حتى منابت شعري ، ومثل ذلك مما لا ينبغي أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ينسب إلى من سواه ؟ فليتق العبد مولاه ، وفيما تقدم من الأخبار في شأن عثمان بن مظعون رد أيضاً على من يقول فيمن دونه في الفضل أو من لم يبشره الصادق بالجنة والكرامة نحو ما قيل فيه .
نعم ينبغي الظن الحسن في المؤمنين أحياء وأمواتاً ورجاء الخير لكل منهم فالله تعالى أرحم الراحمين ، هذا والظاهر أن { مَا } استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء والجملة بعدها خبر وجملة المبتدأ والخبر معلق عنها الفعل القلبي وهو إما متعد لواحد أو اثنين ، وجوز أن تكون { مَا } موصولة في محل نصب على المفعولية لفعل الدراية وهو حينئذ متعد لواحد والجملة بعدها صلة ، وأن تكون حرفاً مصدرياً فالمصدر مفعول { أَدْرِى } والاستفهامية أقضي لحق مقام التبري عن الدراية ، و { لا } لتذكير النفي المنسحب على { مَّا يَفْعَلُ } الخ وتأكيده ، ولولا اعتبار الانسحاب لكان التركيب ما يفعل بي وبكم دون { لا } لأنه ليس محلاً للنفي ولا لزيادة لا ونظير ذلك زيادة { مِنْ } في قوله تعالى : { مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ } [ البقرة : 105 ] لانسحاب النفي فإنه إذا انتفت ودادة التنزيل انتفى التنزيل ، وزيادة الباء في قوله سبحانه : { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السموات والارض وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ } [ الأحقاف : 33 ] لانسحاب النفي ، على أن مع ما في حيزها ولولاه ما زيدت الباء في الخبر ، وقيل : الأصل ولا ما يفعل بكم فاختصر ، وقيل : ولا بكم ، وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة { يَفْعَلُ } بالبناء للفاعل وهو ضمير الله عز وجل : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ } أي ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي على معنى قصر أفعاله صلى الله عليه وسلم على اتباع الوحي ، والمراد بالفعل ما يشمل القول وغيره . وهذا جواب عن اقتراحهم الاخبار عما لو يوح إليه عليه الصلاة والسلام من الغيوب ، والخطاب السابق للمشركين .
وقيل : عن استعجال المسلمين أن يتخلصوا عن أذية المشركين والخطاب السابق لهم ، والأول أوفق لقوله تعالى : { وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ } أنذركم عقاب الله تعالى حسبما يوحى إلى { مُّبِينٌ } بين الإنذار بالمعجزات الباهرة ، والحصر إضافي . وقرأ ابن عمير { يُوحَى } على البناء للفاعل .
قوله : { قل ما كنت بدعا من الرسل } أي ما كنت أول رسل الله الذين أرسلهم إلى الناس ، فقد كان من قبلي مرسلون كثيرون أرسلهم الله إلى أمم مختلفة من قبلكم فلا ينبغي أن تنكروا إخباري بأني رسول الله إليكم ، ودعائي لكم أن تفردوا الله وحده بالعبادة والإذعان ، فإن الرسل جميعا إنما بعثوا من أجل ذلك . وقيل : كان المشركون يعيبون الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وبأن الذين اتبعوه هم من الفقراء ، فبين الله لهم أن المرسلين كلهم كانوا على هذه الصفة ولا يقدح ذلك في نبوته وصدقه فيما يقوله لهم .
قوله : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } أي لا علم لي بالغيب عما يفعله الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان . فما أدري ما يصر إليه أمري وأمركم في هذه الدنيا ؟ فمن الغالب منا ومن المغلوب ؟ وهل تؤمنون أم تكفرون ؟ وهل تعاجلون بالعذاب أم تمهلون ؟ وذلك كله من أمر الدنيا . أما في الآخرة فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه في الجنة حقا ، بل إنه في الذروة السامقة من الفردوس الأعلى يوم القيامة .
قوله : { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } يعني ما أتبع فيما أبلغكم به وأدعوكم إليه وأحذركموه إلا يوحي به إلي ربي { ومآ أنا إلا نذير مبين } أي لست إلا مبلغا لكم دعوة ربي ومحذركم عصيانه وشديد عقابه{[4202]} .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك من قريش "ما كُنْتُ بِدْعا مِنَ الرّسُل "يعني: ما كنت أوّل رسل الله التي أرسلها إلى خلقه، قد كان من قبلي له رسل كثيرة أُرسلت إلى أمم قبلكم يقال منه: هو بدع في هذا الأمر، وبديع فيه، إذا كان فيه أوّل...
وقوله: "وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ" اختلف أهل التأويل في تأويله؛ فقال بعضهم: عني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل له: قل للمؤمنين بك ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة، وإلام نصير هنالك، قالوا ثم بين الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به حالهم في الآخرة، فقيل له "إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ" وقال: "لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ"... وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله جلّ ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقوله للمشركين من قومه ويعلم أنه لا يدري إلام يصير أمره وأمرهم في الدنيا، أيصير أمره معهم أن يقتلوه أو يخرجوه من بينهم، أو يؤمنوا به فيتبعوه، وأمرهم إلى الهلاك، كما أهلكت الأمم المكذّبة رسلها من قبلهم أو إلى التصديق له فيما جاءهم به من عند الله... حدثنا أبو بكر الهذليّ، عن الحسن، في قوله: "وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ" فقال: أما في الآخرة فمعاذ الله، قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل، ولكن قال: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي أو أُقتل كما قُتلت الأنبياء من قبلي، ولا أدري ما يُفْعل بي ولا بكم، أمتي المكذّبة، أم أمتي المصدّقة، أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قذفا، أم مخسوف بها خسفا، ثم أوحي إليه: "وَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّكَ أحاطَ بالنّاسِ" يقول: أحطت لك بالعرب أن لا يقتلوك، فعرف أنه لا يُقتل، ثم أنزل الله عزّ وجلّ: "هُوَ الّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ على الدّين كُلّهِ، وَكَفَى باللّهٍ شَهِيدا" يقول: أشهد لك على نفسه أنه سيُظهر دينك على الأديان، ثم قال له في أمته: "وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِيهِمْ، وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" فأخبره الله ما يصنع به، وما يصنع بأمته.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما أدري ما يفترض عليّ وعليكم، أو ينزل من حكم، وليس يعني ما أدري ما يفعل بي ولا بكم غدا في المعاد من ثواب الله من أطاعه، وعقابه من كذّبه.
وقال آخرون: إنما أمر أن يقول هذا في أمر كان ينتظره من قِبَل الله عزّ وجلّ في غير الثواب والعقاب.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة وأشبهها بما دلّ عليه التنزيل، القول الذي قاله الحسن البصري، الذي رواه عنه أبو بكر الهُذَليّ.
وإنما قلنا ذلك أولاها بالصواب لأن الخطاب من مبتدأ هذه السورة إلى هذه الآية، والخبر خرج من الله عزّ وجلّ خطابا للمشركين وخبرا عنهم، وتوبيخا لهم، واحتجاجا من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عليهم. فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن هذه الآية أيضا سبيلها سبيل ما قبلها وما بعدها في أنها احتجاج عليهم، وتوبيخ لهم، أو خبر عنهم. وإذا كان ذلك كذلك، فمحال أن يقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: قل للمشركين ما أدري ما يُفعل بي ولا بكم في الآخرة، وآيات كتاب الله عزّ وجلّ في تنزيله ووحيه إليه متتابعة بأن المشركين في النار مخلدون، والمؤمنون به في الجنان منعمون، وبذلك يرهبهم مرّة، ويرغبهم أخرى، ولو قال لهم ذلك، لقالوا له: فعلام نتبعك إذن وأنت لا تدري إلى أيّ حال تصير غدا في القيامة، إلى خفض ودعة، أم إلى شدّة وعذاب وإنما اتباعنا إياك إن اتبعناك، وتصديقنا بما تدعونا إليه، رغبة في نِعمة، وكرامة نصيبها، أو رهبة من عقوبة، وعذاب نهرب منه، ولكن ذلك كما قال الحسن، ثم بين الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما هو فاعل به، وبمن كذّب بما جاء به من قومه وغيرهم.
وقوله: "إنْ أتّبِعُ إلاّ ما يُوحَى إليّ" يقول تعالى ذكره: قل لهم ما أتبع فيما آمركم به، وفيما أفعله من فعل إلا وحي الله الذي يوحيه إليّ،
"وَما أنا إلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ" يقول: وما أنا لكم إلا نذير، أنذركم عقاب الله على كفركم به مبين: يقول: قد أبان لكم إنذاره، وأظهر لكم دعاءه إلى ما فيه نصيحتكم، يقول: فكذلك أنا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... وقوله تعالى: {وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم} هذا يخرّج على وجوه: أحدهما: أي ما كنت أدري قبل ذلك ما يفعل بي ولا بكم، أُختصّ للرسالة، وأُختار لها، وأُبعَث إليكم، وتُلزمَون أنتم اتّباعي والإجابة إلى ما أدعوكم، إليهن والله أعلم... الثالث: {وما أدري ما يُفعل بي لا بكم} مخافة التغيير عليه وتبديل الحال، ولم يزل الرسل عليهم السلام يخافون تغيير الأحوال عليهم وذهاب ما اختصّوا هم به كقول إبراهيم عليه السلام: {واجنُبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} [إبراهيم: 35]...
فعلى ذلك جائز أن يكون قوله: {وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم} أتُغيَّر عليّ وعليكم الأحوال التي نحن عليها اليوم، أم نُترك على ذلك؟ وحقيقة هذا الكلام على الاستقصاء قد مرّت، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"وما أنا إلا نذير مبين" أي لست إلا مخوفا من عقاب الله ومحذرا من معاصيه ومرغبا في طاعاته...
وقوله "مبين" معناه مظهر لكم الحق فيه...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرسل} فآتيكم بكل ما تقترحونه، وأخبركم بكل ما تسألون عنه من المغيبات؛ فإنّ الرسل لم يكونوا يأتون إلا بما آتاهم من آياته، ولا يخبرون إلا بما أوحى إليهم. ولقد أجاب موسى صلوات الله وسلام عليه عن قول فرعون: (فما بال القرون الأولى)؟ بقوله: {علمها عند ربي} [طه: 52] {وَمَآ أَدْرِى} لأنه لا علم لي بالغيب ما يفعل الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان من أفعاله، ويقدّر لي ولكم من قضاياه...
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم في كون القرآن معجزا، بأن قالوا إنه يختلقه من عند نفسه ثم ينسبه إلى أنه كلام الله على سبيل الفرية، حكى عنهم نوعا آخر من الشبهات، وهو أنهم كانوا يقترحون منه معجزات عجيبة قاهرة، ويطالبونه بأن يخبرهم عن المغيبات، فأجاب الله تعالى عنه بأن قال: {قل ما كنت بدعا من الرسل}...
(الأول) {ما كنت بدعا من الرسل} أي ما كنت أولهم، فلا ينبغي أن تنكروا إخباري بأني رسول الله إليكم، ولا تنكروا دعائي لكم إلى التوحيد، ونهيي عن عبادة الأصنام، فإن كل الرسل إنما بعثوا بهذا الطريق.
(الوجه الثاني) أنهم طلبوا منه معجزات عظيمة وأخبارا عن الغيوب فقال: {قل ما كنت بدعا من الرسل} والمعنى أن الإتيان بهذه المعجزات القاهرة والإخبار عن هذه الغيوب ليس في وسع البشر، وأنا من جنس الرسل وأحد منهم لم يقدر على ما تريدونه فكيف أقدر عليه؟
(الوجه الثالث) أنهم كانوا يعيبونه أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وبأن أتباعه فقراء فقال: {قل ما كنت بدعا من الرسل} وكلهم كانوا على هذه الصفة وبهذه المثابة فهذه الأشياء لا تقدح في نبوتي كما لا تقدح في نبوتهم...
{وما أنا إلا نذير مبين} كانوا يطالبونه بالمعجزات العجيبة وبالإخبار عن الغيوب فقال قل: {وما أنا إلا نذير مبين} والقادر على تلك الأعمال الخارجة عن قدرة البشر والعالم بتلك الغيوب ليس إلا الله سبحانه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{قل} أي لهؤلاء الذين نسبوك إلى الافتراء: {ما كنت} أي كوناً ما {بدعاً} أي منشئاً مبتدعاً محدثاً مخترعاً بحيث أكون أجنبياً منقطعاً {من الرسل} لم يتقدم لي منهم مثال في أصل ما جئت به...
.وهو التوحيد ومحاسن الأخلاق بل قد تقدمني رسل كثيرون أتوا بمثل ما أتيت به ودعوا إليه كما دعوت وصدقهم الله- بمثل ما صدقني به... {وما أدري} أي في هذا الحال بنوع حيلة وعمل واجتهاد {ما} أي الذي- {يفعل} أي من أيّ فاعل كان- سواء كان هو الله تعالى بلا واسطة أو بواسطة غيره- {بي} وأكد النفي ليكون ظاهراً في الاجتماع وكذلك في الانفراد أيضاً فقال-: {ولا} أي ولا أدري الذي يفعل- {بكم}...
وفي الآية بعمومها دليل على أن لله أن يفعل ما يشاء، فله أن يعذب الطائع وينعم العاصي، ولو فعل ذلك لكان عدلاً وحقاً وإن كنا نعتقد أنه لا يفعله...
{إن} أي ما {أتبع} أي -بغاية جهدي وجدي {إلا ما} أي الذي {يوحى} أي يجدد إلقاؤه ممن لا يوحي بحق إلا هو {إليّ} على سبيل التدريج سراً، لا يطلع عليه حق اطلاعه غيري...
{وما أنا} أي بإخباري لكم عما يوحى إليّ {إلا نذير} أي لكم ولكل من بلغه القرآن {مبين} أي ظاهر أني كذلك في نفسه مظهر له- أي كوني نذيراً -ولجميع الجزئيات التي أنذر منها بالأدلة القطعية.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} فإن قبلتم رسالتي وأجبتم دعوتي فهو حظكم ونصيبكم في الدنيا والآخرة، وإن رددتم ذلك علي فحسابكم على الله وقد أنذرتكم، ومن أنذر فقد أعذر...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(قل: ما كنت بدعا من الرسل. وما أدري ما يفعل بي ولا بكم. إن أتبع إلا ما يوحى إلي. وما أنا إلا نذير مبين).. إنه [صلى الله عليه وسلم] ليس أول رسول. فقد سبقته الرسل. وأمره كأمرهم. وما كان بدعا من الرسل. بشر يعلم الله أنه أهل للرسالة فيوحي إليه، فيصدع بما يؤمر. هذا هو جوهر الرسالة وطبيعتها.. (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم. إن أتبع إلا ما يوحى إلي).. فهو لا يمضي في رسالته لأنه يعلم الغيب؛ أو لأنه يطلع على ما يكون من شأنه وشأن قومه وشأن الرسالة التي يبشر بها. إنما هو يمضي وفق الإشارة وحسب التوجيه. واثقا بربه، مستسلما لإرادته، مطيعا لتوجيهه...
فهو واقف أبدا عند حدوده وحدود وظيفته: (وما أنا إلا نذير مبين).. وإنه لأدب الواصلين، وإنها لطمأنينة العارفين...
وما يطلبون من ربهم برهانا فبرهانهم في قلوبهم. وما يطلبون لأنفسهم خصوصية فخصوصيتهم أنه اختارهم...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرُّسُلِ} فإن رسالتي هي في الخط الذي تحركت به رسالات الأنبياء السابقين...
. {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ} فلست في ما أملكه من طاقة المعرفة أعلم الغيب، لأن للغيب أدواته وأسبابه ووسائله التي لا أملكها بصفتي الذاتية كإنسان، ولا بصفتي الرسالية كنبيّ في ما تفرضه طبيعة الرسالة من دورٍ للرسول...
. {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} فالوحي هو الذي يحدّد لي خط الحركة، وهو الذي يحدد لي الخطوات من البداية إلى النهاية، {وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أبلّغكم آيات الله وأثير في عقولكم معانيها، لتكون نذيراً لكم بين يدي عذاب شديد، وذاك هو كل شيءٍ في الدور، وفي الحركة، وفي الهدف. وقد نلاحظ في هذا الجوّ القرآني الذي يضع قدرات النبي الذاتية في حدود بشريته، أن ذلك لا يعني انتفاء علم الأنبياء بالغيب من خلال الوحي الذي يحمل إليهم بعض غيب الله، كما جاء في حديث القرآن عن عيسى (عليه السلام) ممّا كان يتحدث به مع بني إسرائيل: {وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} (آل عمران: 49)، وكما جاء في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} (الجن: 26-27)، وهذا ما تؤكده الآية القائلة: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} (الأنعام: 50). فالوحي هو مصدر معرفة النبي في قضايا العقيدة والشريعة والحياة والدار الآخرة، ضمن ما يريد الله له أن يعلمه لحاجة الرسالة إليه في ساحتها العامة والخاصة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
يقول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا لست أوّل نبيّ دعا إلى التوحيد، فقد جاء قبلي أنبياء كثيرون كلهم كانوا بشراً، وكانوا يلبسون الثياب ويأكلون الطعام، ولم يَدَّع أحد منهم أنّه يعلم الغيب المطلق، بل كانوا يقولون: إنّنا نعلم من أُمور الغيب ما يعلمنا الله إيّاه فقط. ولم يستسلم أحد منهم أمام المعاجز التي كان يقترحها الناس، والتي كانت تقوم على أساس الرغبة والميول. كل ذلك ليعلم الجميع أنّ النّبي أيضاً عبد من عباد الله، وعلمه وقدرته محدودة بما يريده الله سبحانه ويمنحه، فإنّ العلم المطلق والقدرة المطلقة لله جلَّ وعلاء وحسب. هذه الحقائق كان يجب على الناس أن يعلموها ويدركوها، لينتهوا من إشكالاتهم الجوفاء. كل ذلك ورد بعد البحث الذي مرّ في الآيات السابقة، حيث كانوا يرمون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسحر مرّة، وبالافتراء أُخرى، ليُعلم أنّ منبع هذه الاتهامات ومصدرها هو تلك الأوهام التي أُجيب عنها في هذه الآية. ومن هنا يتّضح أن مفاد هذه الآية لا يتنافى مع الآيات الأُخرى التي توحي بأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم الغيب، كالذي ورد في سورة الفتح حول فتح مكّة ودخول المسجد الحرام الآية 27 من سورة الفتح أو ما ورد في شأن المسيح (عليه السلام) حيث يقول: (أنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم)، وأمثال ذلك، لأنّ الآية مورد البحث تنفي علم الغيب المطلق، لا مطلق علم الغيب، وبتعبير آخر، فإنّ الآية تنفي علم الغيب الاستقلالي، أمّا تلك الآيات فتتحدث عن علم الغيب الذي يُنال ببركة التعليم الإلهي. والشاهد على هذا الكلام الآيتان (26) (27) من سورة الجن: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول). وقد ذكر بعض المفسّرين سبب نزول للآية مورد البحث، فقالوا: إنّ عبء المشاكل وضغطها لما زاد على أصحاب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكّة، رأى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام أنّه يهاجر إلى أرض ذات نخيل وأشجار وماء كثير، فذكر ذلك لأصحابه، ففرحوا لذلك وظنّوا أنّهم سيرون فرجاً وسعة بعد أذى المشركين، فصبروا مدّة فلم يروا أثراً لذلك، فقالوا: يا رسول الله، لم نرَ ما أخبرتنا به، فمتى سنهاجر إلى تلك الأرض التي رأيتها في منامك؟ فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت هذه الآية: (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم). إلاّ أنّ سبب النّزول هذا يبدو بعيداً، لأنّ المخاطبين في هذه الآيات أعداء النّبي لا أصحابه، لكن يمكن أن يكون هذا من باب التطبيق، أي أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تمسّك بهذه الآية وأجاب بها أصحابه حينما طرحوا هذا السؤال.