في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ جَآءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠} (10)

9

ثم يأخذ بعد هذا الإجمال في التفصيل والتصوير :

إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ؛ وإذ زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا . وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا . وإذ قالت طائفة منهم : يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا . ويستأذن فريق منهم النبي ، يقولون : إن بيوتنا عورة - وما هي بعورة . إن يريدون إلا فرارا . .

إنها صورة الهول الذي روع المدينة ، والكرب الذي شملها ، والذي لم ينج منه أحد من أهلها . وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب . من أعلاها ومن أسفلها . فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب ؛ وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب ، وظنها بالله ، وسلوكها في الشدة ، وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج . ومن ثم كان الابتلاء كاملا والامتحان دقيقا . والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسما لا تردد فيه .

وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته ، وكل انفعالاته ، وكل خلجاته ، وكل حركاته ، ماثلا أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير .

ننظر فنرى الموقف من خارجه : إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم . .

ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس : ( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ) . . وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق ، يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب .

( وتظنون بالله الظنونا ) . . ولا يفصل هذه الظنون . ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر والخوالج ، وذهابها كل مذهب ، واختلاف التصورات في شتى القلوب .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِذۡ جَآءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠} (10)

9

{ إذ جاءكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا }

المفردات :

من فوقكم : من أعلى الوادي من جهة المشرق وهم بنو غطفان بنو قريظة .

ومن أسفل منكم : من أسفل الوادي من جهة المغرب وهم قريش وباقي حلفائهما .

زاغت الأبصار : مالت عن مستوى نظرها حيرة ودهشة .

بلغت القلوب الحناجر : فزعت فزعا شديدا والحناجر جمع حنجرة وهي الحلقوم حيث مخرج الصوت .

التفسير :

واذكروا حين جاءتكم الأحزاب من أعلى الوادي من جهة المشرق وجاء اليهود من أسفل الوادي من جهة المغرب وقيل غير ذلك .

والخلاصة : أن الأعداء كانوا كثيرين وأن هجومهم كان من جبهتين قريش والأحزاب من جبهة واليهود من جبهة أخرى واشتد الكرب بالمسلمين وباتوا في حالة من الترقب خشية هجوم الأعداء عليهم من الأمام والخلف وعبر القرآن عن هذا القلق بقوله :

{ وإذ زاغت الأبصار . . . } حين مالت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها .

{ وبلغت القلوب الحناجر . . . } أي خافت القلوب خوفا شديدا كأنها من خوفها بلغت الحناجر .

{ وتظنون بالله الظنونا . . . } وتظنون بالله مختلف الظنون فالمؤمنون توقعوا من الله النصر والتأييد ورأوا في ذلك امتحانا يستحق الصبر والرضا واليقين وقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله .

أما المنافقون فقد ظهر نفاقهم ومرض قلوبهم وظنوا أن الأحزاب ستنتصر على المؤمنين وستدخل المدينة غازية منتصرة وسيهزم المؤمنون أمام المشركين .