قوله تعالى : " إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم " " إذ " في موضع نصب بمعنى واذكر . وكذا " وإذ قالت طائفة منهم " . " من فوقكم " يعني من فوق الوادي ، وهو أعلاه من قبل المشرق ، جاء منه عوف بن مالك في بني نصر ، وعيينة بن حصن في أهل نجد ، وطليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد . " ومن أسفل منكم " يعني من بطن الوادي من قبل المغرب ، جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ، ويزيد بن جحش على قريش ، وجاء أبو الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة مع عامر بن الطفيل من وجه الخندق . " وإذ زاغت الأبصار " أي شخصت . وقيل : مالت ، فلم تلتفت إلا إلى عدوها دهشا من فرط الهول . " وبلغت القلوب الحناجر " أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى بلغت الحناجر وهي الحلاقيم ، واحدها حنجرة ، فلولا أن الحلوق ضاقت عنها لخرجت . قاله قتادة . وقيل : هو على معنى المبالغة على مذهب العرب على إضمار كاد . قال{[12765]} :
إذا ما غضبنا غضبةً مُضَرِيَّةً *** هتكنا حجابَ الشمسِ أو قَطَرَتْ دَمَا
أي كادت تقطر . ويقال : إن الرئة تنفتح عند الخوف فيرتفع القلب حتى يكاد يبلغ الحنجرة مثلا ؛ ولهذا يقال للجبان : انتفخ سحره . وقيل : إنه مثل مضروب في شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجر ، وإن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة . قال معناه عكرمة . روى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال : بلغ فزعها . والأظهر أنه أراد اضطراب القلب وضربانه ، أي كأنه لشدة اضطرابه بلغ الحنجرة . والحنجرة والحنجور ( بزيادة النون ) حرف الحلق . " وتظنون بالله الظنونا " قال الحسن : ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون ، وظن المؤمنون أنهم ينصرون . وقيل : هو خطاب للمنافقين ، أي قلتم هلك محمد وأصحابه . واختلف القراء في قوله تعالى : " الظنونا ، والرسولا ، والسبيلا " آخر السورة ، فأثبت ألفاتها في الوقف والوصل نافع وابن عامر . وروي عن أبي عمرو الكسائي تمسكا بخط المصحف ، مصحف عثمان ، وجميع المصاحف في جميع البلدان . واختاره أبو عبيد ، إلا أنه قال : لا ينبغي للقارئ أن يدرج القراءة بعدهن لكن يقف عليهن . قالوا : ولأن العرب تفعل ذلك في قوافي أشعارهم ومصاريعها . قال :
نحن جلبنا القُرَّحَ{[12766]} القوافلا *** تستنفر الأواخرُ الأوائلا
وقرأ أبو عمرو والجحدري ويعقوب وحمزة بحذفها في الوصل والوقف معا . قالوا : هي زائدة في الخط كما زيدت الألف في قوله تعالى : " ولأوضعوا{[12767]} خلالكم " [ التوبة : 47 ] فكتبوها كذلك ، وغير هذا . وأما الشعر فموضع ضرورة ، بخلاف القرآن فإنه أفصح اللغات ولا ضرورة فيه . قال ابن الأنباري : ولم يخالف المصحف من قرأ . " الظنون . والسبيل . والرسول " بغير ألف في الحروف الثلاثة ، وخطهن في المصحف بألف ؛ لأن الألف التي في " أطعنا " والداخلة في أول " الرسول . والظنون . والسبيل " كفى من الألف المتطرفة المتأخرة كما كفت ألف أبي جاد من ألف هوّاز . وفيه حجة أخرى : أن الألف أنزلت منزلة الفتحة وما يلحق دعامة للحركة التي تسبق والنية فيه السقوط ، فلما عمل على هذا كانت الألف مع الفتحة كالشيء الواحد يوجب الوقف سقوطهما ويعمل على أن صورة الألف في الخط لا توجب موضعا في اللفظ ، وأنها كالألف في " سحران " وفي " فطر السموات والأرض " وفي " وعدنا موسى " وما يشبههن مما يحذف من الخط وهو موجود في اللفظ{[12768]} ، وهو مسقط من الخط . وفيه حجة ثالثة هي أنه كتب على لغة من يقول لقيت الرجلا . وقرئ على لغة من يقول : لقيت الرجل ، بغير ألف . أخبرنا أحمد بن يحيى عن جماعة من أهل اللغة أنهم رووا عن العرب قام الرجلو ، بواو ، ومررت بالرجلي ، بياء ، في الوصل والوقف . ولقيت الرجلا ، بألف في الحالتين كلتيهما . قال الشاعر :
أسائلةٌ عميرةُ عن أبيها *** خلال الجيش تعترف الرِّكابا{[12769]}
فأثبت الألف في " الركاب " بناء على هذه اللغة . وقال الآخر :
إذا الجوزاء أردفت الثريا *** ظننت بآل فاطمة الظنونا
وعلى هذه اللغة بنى نافع وغيره . وقرأ ابن كثير وابن محيصن والكسائي بإثباتها في الوقف وحذفها في الوصل . قال ابن الأنباري : ومن وصل بغير ألف ووقف بألف فجائز أن يحتج بأن الألف احتاج إليها عند السكت حرصا على بقاء الفتحة ، وأن الألف تدعمها وتقويها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.