فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِذۡ جَآءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠} (10)

{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا 9 إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا 10 هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا11 }

يمتن الله الوهاب خير الناصرين على نبيه والمؤمنين بما أولاهم من التأييد والنصر المبين على أحزاب الشرك وأوليائهم من اليهود الغادرين ، فتذكروا واشكروا آلاء الله عليكم وآياته إليكم ، حين حاصركم مشركو قريش ومن حالفهم – وكانوا عشرة آلاف مقاتل – فسلط الله عليهم ريحا شديدة وملائكة كراما ، والله يرى ما عملتم ، من صبر ومصابرة ، فقد أجهدهم أولا حفر الخنذق ، في البخاري ومسلم عن البراء ابن عازب قال : لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى الغبار عن جلدة بطنه . . ، وكان من فزع من المسلمين من حصته عاد إلى غيره حتى كمل الخندق ، وأجهدهم بعد طول الحصار ، وتكاثر العدو ، وقلة الزاد وشدة البرد ، وغدر الحلفاء من اليهود ، كل هذا وغيره لا يخفى على الله منه شيء يحصيه لهم ليجزيهم عليه ، جاءتكم الأحزاب من أعلى الوادي من جهة المشرق ، ومن أسفل الوادي من قبل المغرب ، ويحتمل أن يكون من [ فوق ] ومن { أسفل } كناية عن الإحاطة من جميع الجوانب ، كأنه قيل : إذ جاءوكم محيطين بكم ، ومالت الأبصار حيرة ودهشة ، واشتد الخوف فكأن القلوب تحركت عن مواضعها وتوجهت إلى الحناجر لتخرج ، وظن المؤمنون بالله وبأنفسهم خيرا ، وظن المنافقون بالله ظن السوء ، عند ذلك أو حينئذ عامل الله المؤمنين معاملة من يختبر عباده فظهر المخلص من المنافق ، والراسخ من المتزلزل مصداقا لوعد ربنا الذي لا يخلف : )ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب . . ( {[3606]} .


[3606]:سورة آل عمران. من الآية 179.