{ 27 - 31 } { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ }
إلى آخر القصة{[261]} أي : قص على الناس وأخبرهم بالقضية التي جرت على ابني آدم بالحق ، تلاوة يعتبر بها المعتبرون ، صدقا لا كذبا ، وجدا لا لعبا ، والظاهر أن ابني آدم هما ابناه لصلبه ، كما يدل عليه ظاهر الآية والسياق ، وهو قول جمهور المفسرين .
أي : اتل عليهم نبأهما في حال تقريبهما للقربان ، الذي أداهما إلى الحال المذكورة .
{ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } أي : أخرج كل منهما شيئا من ماله لقصد التقرب إلى الله ، { فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ } بأن علم ذلك بخبر من السماء ، أو بالعادة السابقة في الأمم ، أن علامة تقبل الله لقربان ، أن تنزل نار من السماء فتحرقه .
{ قَالَ } الابن ، الذي لم يتقبل منه للآخر حسدا وبغيا { لَأَقْتُلَنَّكَ } فقال له الآخر -مترفقا له في ذلك- { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } فأي ذنب لي وجناية توجب لك أن تقتلني ؟ إلا أني اتقيت الله تعالى ، الذي تقواه واجبة عليّ وعليك ، وعلى كل أحد ، وأصح الأقوال في تفسير المتقين هنا ، أي : المتقين لله في ذلك العمل ، بأن يكون عملهم خالصا لوجه الله ، متبعين فيه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ اتل } معناه اسرد وأسمعهم إياه ، وهذه من علوم الكتب الأول التي لا تعلق لمحمد صلى الله عليه وسلم بها إلا من طريق الوحي ، فهو من دلائل نبوته ، والضمير في { عليهم } ظاهر أمره أنه يراد به بنو إسرائيل لوجهين : أحدهما أن المحاورة فيما تقدم إنما هي في شأنهم وإقامة الحجج عليهم بسبب همهم ببسط اليد إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، والثاني أن علم { نبأ ابني آدم } إنما هو عندهم وفي غامض كتبهم ، وعليهم تقوم الحجة في إيراده . والنبأ :الخبر . و «ابنا آدم » هما في قول جمهور المفسرين لصلبه . وهما قابيل وهابيل ، وقال الحسن بن أبي الحسن البصري «ابنا آدم » ليسا لصلبه ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل .
قال القاضي أبو محمد : وهذا وهم ، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب ، والصحيح قول الجمهور وروي أن تقريبهما للقربان إنما كان تحنثاً وتطوعاً . وكان قابيل صاحب زرع فعمد إلى أرذل ما عنده وأدناه فقربه ، وكان هابيل صاحب غنم ، فعمد إلى أفضل كباشه فقربه ، وكانت العادة حينئذ أن يقرب المقرب قربانه ويقوم يصلي ويسجد ، فإن نزلت نار وأكلت القربان فذلك دليل للقبول وإلا كان تركه دليل عدم القبول ، فلما قرب هذان كما ذكرت فنزلت النار وأخذت كبش هابيل فرفعته وسترته عن العيون وتركت زرع قابيل ، قال سعيد بن جبير وغيره : فكان ذلك الكبش يرتع في الجنة حتى أهبط إلى إبراهيم في فداء ابنه ، قال سائقو هذا القصص : فحسد قابيل هابيل وقال له : أتمشي على الأرض يراك الناس أفضل مني ؟ وكان قابيل أسن ولد «آدم » . وروي أن «آدم » سافر إلى مكة ليرى الكعبة وترك قابيل وصياً على بنيه فجرت هذه القصة في غيابه ، وروت جماعة من المفسرين منهم ابن مسعود : أن سبب هذا التقريب أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى فكان الذكر يزوج أنثى البطن الآخر ، ولا تحل له أخته توأمته ، فولدت مع قابيل أخت جميلة ، ومع هابيل أخت ليست كذلك فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل : أنا أحق بأختي ، فأمره «آدم » فلم يأتمر ، فاتفقوا على التقريب ، وروي أن آدم حضر ذلك فتقبل قربان هابيل ووجب أن يأخذ أخت قابيل{[4508]} ، فحينئذ قال له { لأقتلنك } وقول هابيل : { إنما يتقبل الله من المتقين } كلام قبله محذوف تقديره ولم تقتلني وأنا لم أجنِ شيئاً ولا ذنب لي في قبول الله قرباني ؟ أما إني أتقيه وكنَت علي لأحب الخلق . و { إنما يتقبل الله من المتقين } .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق : وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ إنها اتقاء الشرك ، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة ، وأما المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والحتم بالرحمة ، علم ذلك بأخبار الله تعالى ، لا أن ذلك يجب على الله تعالى عقلاً ، وقال عدي بن ثابت وغيره : قربان متقي هذه الأمة الصلاة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.