{ 1-18 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }
يقسم تعالى بالنجم عند هويه أي : سقوطه في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل وإقبال النهار ، لأن في ذلك من آيات الله العظيمة ، ما أوجب أن أقسم به ، والصحيح أن النجم ، اسم جنس شامل للنجوم كلها ، وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي ، لأن في ذلك مناسبة عجيبة ، فإن الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء ، فكذلك الوحي وآثاره زينة للأرض ، فلولا العلم الموروث عن الأنبياء ، لكان الناس في ظلمة أشد من الليل البهيم .
* والمقسم عليه ، تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الضلال في علمه ، والغي في قصده ، ويلزم من ذلك أن يكون مهتديا في علمه ، هاديا ، حسن القصد ، ناصحا للأمة{[890]} بعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم ، وفساد القصد{[891]}
1- سورة " النجم " من السور المكية الخالصة ، وعدد آياتها ثنتان وستون آية في المصحف الكوفي ، وإحدى وستون في غيره ، وكان نزولها بعد سورة " الإخلاص " ، فهي تعتبر من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن ، إذ لم يسبقها في النزول سوى اثنتين وعشرين سورة ، أما ترتيبها في المصحف ، فهي السورة الثالثة والخمسون .
2- ويبدو أنها سميت بهذا الاسم منذ عهد النبوة . .
قال الآلوسي : سورة " والنجم " . وتسمى –أيضا- سورة النجم –بدون واو- . وهي مكية على الإطلاق . وفي الإتقان : استثنى منها : الذين يجتنبون كبائر الإثم . . إلى آخر الآية . . . وهي –كما أخرج ابن مردويه- عن ابن مسعود قال : أول سورة أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بقراءتها ، فقرأها في الحرم والمشركون يسمعون .
وأخرج البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، عنه قال : أول سورة أنزلت فيها سجدة سورة " والنجم " . فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الناس كلهم إلا رجلا رأيته يأخذ كفا من تراب فسجد عليه ، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا ، وهو أمية بن خلف . .
وذكر أبو حيان أن سبب نزولها ، قول المشركين : إن محمدا صلى الله عليه وسلم يختلق القرآن . . . ( {[1]} ) .
3- وقد افتتحت السورة الكريمة بقسم منه –سبحانه- بالنجم ، على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، ثم وصف –سبحانه- جبريل –عليه السلام- وهو أمين الوحي ، بصفات تدل على قوته وشدته ، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رآه على هيئته التي خلقه الله عليها .
قال –تعالى- : [ والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى . وهو بالأفق الأعلى . ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى ] .
4- ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن الآلهة المزعومة فبينت أن هذه الآلهة إنما هي أسماء أطلقها الجاهلون عليها ، دون أن يكون لها أدنى نصيب من الصحة ، وأن العبادة إنما تكون لله وحده .
قال –سبحانه- : [ أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى . ألكم الذكر وله الأنثى . تلك إذا قسمة ضيزى . إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ] .
5- ثم أرشد الله –تعالى- رسول صلى الله عليه وسلم إلى الطريق الحكيم الذي يجب عليه أن يسلكه في دعوته ، وسلاه عما لحقه من المشركين من أذى ، فقال –سبحانه- : [ فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ، ذلك مبلغهم من العلم ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ] .
6- وبعد أن ساق –سبحانه- جانبا من مظاهر رحمته بعباده [ الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ] أتبع ذلك ببيان مظاهر عدله في خلقه ، وقدرته على كل شيء ، وساق ما يشهد لذلك من أخبار الغابرين المكذبين الذين لا يخفى حالهم على المشركين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأنذر هؤلاء المشركين بسوء المصير ، إذا لم يعودوا إلى الحق ، ويكفوا عن جحودهم وعنادهم . .
قال –تعالى- : [ هذا نذير من النذر الأولى . أزفت الأزفة . ليس لها من دون الله كاشفة . أفمن هذا الحديث تعجبون . وتضحكون ولا تبكون . وأنتم سامدون . فاسجدوا لله واعبدوا ] .
7- هذا ، والمتأمل في هذه السورة الكريمة يراها بجانب إقامتها الأدلة الساطعة على وحدانية الله –تعالى- وعلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه يراها بجانب ذلك قد ساقت ما ساقت من براهين واضحة ، ومن توجيهات حكيمة . . بأسلوب بليغ أخاذ ، له لفظه المنتقى ، ومعناه السديد ، وتراكيبه الموزونة وزنا بديعا . . مما يشهد بأن هذا القرآن من عند الله ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .
نسأل الله –تعالى- أن يجعل القرآن ربيع حياتنا ، وأنس نفوسنا ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
افتتح الله - تعالى - هذه السورة بهذا القسم العظيم ، للدلالة على صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وللرد على أولئك المشركين الجاهلين ، الذين زعموا أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد اختلق القرآن الكريم .
والنجم : هو الكوكب الذى يبدو للناظرين ، لامعا فى جو السماء ليلا .
والمراد به هنا : جنسه ، أى : ما يشمل كل نجم بازغ فى السماء ، فأل فيه للجنس .
وقيل : أل فيه للعهد والمراد به نجم مخصوص هو : الشعرى ، وهو نجم كان معروفا عند العرب . وقد جاء الحديث عنه فى آخر السورة ، فى قوله - تعالى - : { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى } قالوا : وكانت قبيلة خزاعة تعبده .
وقيل المراد به : الثريا ، فإنه من النجوم المشهورة عند العرب .
وقيل : المراد به هنا : المقدار النازل من القرآن على النبى - صلى الله عليه وسلم - وجمعه نجوم ، وقد فسره بعضهم بذلك فى قوله - تعالى - : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم } ومعنى " هوى " : سقط وغرب . يقال هو الشىء يهوى - بكسر الواو - - هويا - بضم الهاء وفتحها - إذا سقط من أعلى إلى أسفل .
قال الآلوسى : وأظهر الأقوال ، القول بأن المراد بالنجم ، جنس النجم المعروف ، فإن اصله اسم جنس لكل كوكب . وعلى القول بالتعيين ، فالأظهر القول بأنه الثريا ووراء هذين القولين ، القول بأن المراد به : المقدار النازل من القرآن .
وهي مكية بإجماع من المتأولين{[1]} وهي أول سورة أعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهر بقراءتها في الحرم والمشركون يستمعون وفيها سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب الى جبهته وقال يكفيني هذا{[2]} وسبب هذه السورة ان المشركين قالوا إن محمدا يتقول القرآن ويختلق أقواله فنزلت السورة في ذلك .
أقسم الله تعالى بهذا المخلوق تشريفاً له وتنبيهاً منه ليكون معتبراً فيه حتى تولى العبرة إلى معرفة الله تعالى . وقال الزهري ، المعنى : ورب النجم ، وفي هذا قلق مع لفظ الآية . واختلف المتأولون في تعيين النجم المقسم به فقال ابن عباس ومجاهد والفراء ، وبينه منذر بن سعيد هو الجملة من القرآن إذا تنزلت ، وذلك أنه روي أن القرآن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم نجوماً أي أقداراً مقدرة في أوقات ما ، ويجيء { هوى } على هذا التأويل بمعنى : نزل ، وفي هذا الهوى بعد وتحامل على اللغة ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : { فلا أقسم بمواقع النجوم }{[10668]} [ الواقعة : 75 ] والخلاف في هذا كالخلاف في تلك ، وقال الحسن ومعمر بن المثنى وغيرهما : { النجم } هنا اسم جنس ، أرادوا النجوم إذا هوت ، واختلف قائلو هذه المقالة في معنى : { هوى } فقال جمهور المفسرين : { هوى } إلى الغروب ، وهذا هو السابق إلى الفهم من كلام العرب ، وقال الحسن بن أبي الحسن وأبو حمزة الثمالي { هوى } عند الإنكدار في القيامة فهي بمعنى . قوله : { وإذا الكواكب انتثرت }{[10669]} [ الانفطار : 2 ] وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي هو في الانقضاض في أثر العفرية{[10670]} وهي رجوم الشياطين{[10671]} ، وهذا القول تسعده اللغة ، والتأويلات في { هوى } محتملة ، كلها قوية ومن الشاهد في النجم الذي هو اسم الجنس قول الراعي :
فتاقت تعد النجم في مستحيرة*** سريع بأيدي الآكلين جمودها{[10672]}
يصف إهالة صافية ، والمستحيرة : القدر التي يطبخ فيها ، قاله الزجاج . وقال الرماني وغيره : هي شحمة صافية حين ذابت ، وقال مجاهد وسفيان : { النجم } في قسم الآية الثريا ، وسقوطها مع الفجر هو هويها والعرب لا تقول النجم مطلقاً إلا للثريا ، ومنه قول العرب [ مجزوء الرمل ]
طلع النجم عشاء*** فابتغى الراعي كساء
" طلع النجم غدية فابتغى الراعي شكية " {[10673]}
و { هوى } على هذا القول يحتمل الغروب ويحتمل الانكدار{[10674]} ، و { هوى } في اللغة معناه : خرق الهوى ومقصده السفل أو مسيره إن لم يقصده إليه ، ومنه قول الشاعر : [ مجزوء الكامل ]
هوى ابني شفا جبل*** فزلّتْ رجله ويده{[10675]}
وإن كلام المرء في غير كنهه*** لك النبل تهوي ليس فيها نصالها{[10676]}
هَوِي الدلو أسلمها الرشاء . . {[10677]} .
ومنه قولهم للجراد : الهاوي{[10678]} ، ومنه هوى العقاب .