بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا} (83)

قوله تعالى : { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ الأمن أَوِ الخوف } يعني المنافقين إذا جاءهم خبر من أمر السرية بالفتح والغلبة على العدو ، سكتوا وقصروا عما جاءهم من الخبر { أو الخوف } ، أي وإن جاءهم خبر من السرية ببلاء وشدة نزلت بالمؤمنين { أَذَاعُواْ بِهِ } أي أفشوه { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ } قال الكلبي : يقول لو سكتوا عن إفشائه حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يفشيه { وأولو الأمر } منهم مثل أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم { لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ } يقول : يبتغونه { مِنْهُمْ } فيكون هؤلاء الذين يستمعونه ويفشونه ويعلمونه { إلا قليلاً منهم } .

يقول الله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } أي لولا منّ الله عليكم ورحمته ونعمته { لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان } فيه تقديم وتأخير . وقال مقاتل : أذاعوا به أي أفشوه { إِلاَّ قَلِيلاً } منهم لا يفشون الخبر . وقال الزجاج : { أَذَاعُواْ بِهِ } أي أظهروه . ومعنى { يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أي يستخرجونه ، وأصله من النبط وهو أول الماء الذي يخرج من البئر إذا حفرت ، ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوا من قبل الرسول ومن قبل أولي الأمر منهم ، لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضعف المسلمين وعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم وذوي العلم ، وكانوا يعلمون مع ذلك . وقال عكرمة لعلمه الذين يخوضون فيه ويسألون عنه . وقال أبو العالية : يعني الذين يستحسنونه منهم . وقال الضحاك : ولو ردوا أمرهم في الحلال والحرام إلى الرسول في التصديق به والقبول منه ، { وإلى أولي الأمر منهم } ، يعني حملة الفقه والحكمة ، { لعلمه الذين يستنبطونه منهم } يعني يتفحصون عن العلم . { وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } بالقرآن { لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان إِلاَّ قَلِيلاً } وهم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى . وفي هذه الآية دليل على جواز الاستنباط من الخبر والكتاب ، لأن الله تعالى قد أجاز الاستنباط من قبل الرسول وأهل العلم .