فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا} (83)

{ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ( 83 ) }

{ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } يقال أذاع الشيء وأذاع به إذا أفشاه وأظهره ، وهؤلاء جماعة من ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئا من أمر المسلمين فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم ، أو فيه خوف نحو هزيمة المسلمين وقتلهم أفشوه وهم يظنون أنه لا شيء عليهم في ذلك ، وقيل هم المنافقون كانوا يستخبرون عن حالهم ثم يشيعونه قبل أن يحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

{ ولو ردوه إلى الرسول } حتى يكون هو الذي يتحدث به ويظهره { وإلى أولي الأمر منهم } وهم أهل العلم والبصيرة والعقول الراجحة الذين يرجعون إليهم في أمورهم أو هم الولاة عليهم { لعلمه الذين يستنبطونه منهم } أي يستخرجونه بتدبرهم وصحة عقولهم .

والمعنى أنهم لو تركوا إذاعة الأخبار حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يذيعها ، أو يكون أولو الأمر منهم هم الذين يتولون ذلك لأنهم يعلمون بما ينبغي أن يفشى ويكتم ، والاستنباط مأخوذ من ماء البئر عند حفرها ، وقيل إن هؤلاء الضعفة كانوا يسمعون إرجافات المنافقين على المسلمين فيذيعونها فتحصل بذلك مفسدة .

وفي الآية إشارة إلى جواز القياس ، وأن من العلم ما يدرك بالنص وهو الكتاب والسنة ومنه ما يدرك بالاستنباط وهو القياس عليهما .

{ ولولا فضل الله } أي ما تفضل الله به { عليكم ورحمته } من إرسال رسوله وإنزال كتابه { لاتبعتم الشيطان } فيما يأمركم به فبقيتم على كفركم { إلا قليلا } منكم أو إلا إتباعا قليلا ، وقيل أذاعوا به إلا قليلا منهم فإنه لم يذع ولم يفش ، قاله الكسائي والأخفش والفراء وأبو عبيدة وأبو حاتم وابن جرير ، وقيل المعنى لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا منهم ، قاله الزجاج وبه قال الحسن وقتادة واختاره ابن قتيبة والأول أولى{[508]} .


[508]:قوله تعالى: {إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف} في سبب نزولها قولان. أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتزل نساءه، دخل عمر المسجد، فسمع الناس يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فدخل على النبي عليه السلام فسأله أطلقت نسائك؟ قال: "لا" فخرج فنادى: ألا إن رسول الله لم يطلق نساءه. فنزلت هذه الآية. فكان هو الذي استنبط الأمر. انفرد بإخراجه مسلم، من حديث ابن عباس، عن عمر. مسلم1/1105 وهو حديث طويل فيه فوائد عظيمة، وتوجيهات قيمة، فارجع إليه. والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية من السرايا فغلبت أو غلبت، تحدثوا بذلك وأفشوه، ولم يصبروا حتى يكون النبي هو المتحدث به. فنزلت هذه الآية. رواه أبو صالح، عن ابن عباس. وقد نص كلامه في "جامع البيان"8/568-571: وإذا جاءهم خبر عن سرية للمسلمين غازية بأنهم أمنوا من عدوهم بغلبتهم إياهم (أو الخوف) يقول: أو تخوفهم من عدوهم بإصابة عدوهم منهم، {أذاعوا به} يقول: أفشوه وبثوه في الناس قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل ما أتى سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو ردوا الأمر الذي نالهم من عدوهم والمسلمين إلى رسول الله عليه وسلم، وإلى أولي أمرهم، يعني وإلى أمرائهم وسكتوا فلم يذيعوا ما جاءهم من الخبر حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ذووا أمرهم هم الذين يتولون الخبر عن ذلك، بعد أن ثبت عندهم صحته، أو بطوله، فيصححوه إن كان صحيحا أو يبطلوه إن كان باطلا، لعلم حقيقة ذلك الخبر الذي جاءهم به، الذين يبحثون عنه.