فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هَـٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا يُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ قُلۡ مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (119)

( ها أنتم أولاء ) الخاطئون في موالاتهم ثم بين خطأهم بتلك الموالاة بهذه الجملة التذليلية فقال ( تحبونهم ولا يحبونكم ) قيل تحبونهم لما أظهروا لكم الإيمان او لما بينكم وبينهم من القرابة ولا يحبونكم لما قد استحكم في صدورهم من الغيظ والحسد .

( وتؤمنون بالكتاب كله ) أي جنس الكتاب جميعا أي لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتب الله سبحانه التي من جملتها ، فما بالكم تحبونهم و لا يؤمنون بكتابكم ، وفيه توبيخ لهم شديد ، لأن من بيده الحق أحق بالصلابة والشدة ممن هو على الباطل .

( وإذا لقوكم قالوا ) نفاقا وتقية ( آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم ) أي لأجلكم ، والعض الإمساك بالأسنان أي تحامل الأسنان بعضها على بعض والعض كله بالضاد إلا في قولهم عظ الزمان أي اشتد وعظت الحرب أي اشتدت فإنهما بالظاء أخت الطاء ( الأنامل ) جمع أنملة وهي طرف الأصبع ( من الغيظ ) أي تأسفا وتحسرا حيث عجزوا عن الانتقام منكم ، والعرب تصف النادم والمغتاظ مجازا بعض الأنامل والبنان . ومن لابتداء الغاية أو بمعنى اللام أي من أجل الغيظ والغيظ مصدر غاظه يغيظه أي أغضبه والتغيظ إظهار الغيظ ، وقد يكون مع ذلك صوت ، قال تعالى : ( سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) قاله السمين .

ثم أمره الله سبحانه بأن يدعو عليهم فقال ( قل موتوا بغيظكم ) وهو دعاء يتضمن استمرار غيظهم ماداموا في الحياة بتضاعف قوة الإسلام وأهله حتى يأتيهم الموت وهم عليه ، والباء للملابسة أي متلبسين بغيظكم ( إن الله عليم بذات الصدور ) أي الخواطر القائمة بها والدواعي والصوارف الموجودة فيها . وهو كلام داخل تحت قوله ( قل ) فهو من جملة المقول او مستأنفة أخبر الله بذلك لأنهم كانوا يخفون غيظهم ما أمكنوا فذكر ذلك لهم على سبيل الوعيد ، وذات هنا تأنيث ذي بمعنى صاحبة الصدور ، وجعلت صاحبة لها لملازمتها لها وعدم انفكاكها نحو أصحاب الجنة وأصحاب النار ، والمراد بها المضمرات .