الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا} (28)

وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه ، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله ، فيهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد ، فلما رآهم جلس معهم وقال : «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم » .

وأخرج البزار عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا : «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقرأ سورة الحجر وسورة الكهف ، فسكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم » .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عمر بن ذر ، عن أبيه : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى نفر من أصحابه - منهم عبد الله بن رواحة - يذكرهم بالله ، فلما رآه عبد الله سكت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذكّر أصحابك . فقال : يا رسول الله ، أنت أحق . فقال : أما إنكم الملأ الذين أمرني أن أصبر نفسي معهم ، ثم تلا { واصبر نفسك } الآية » .

وأخرج الطبراني في الصغير وابن مردويه من طريق عمر بن ذر : حدثني مجاهد عن ابن عباس قال : «مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن رواحة وهو يذكر أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما إنكم للملأ الذين أمرني الله أن أصبر نفسي معهم . ثم تلا { واصبر نفسك } الآية . قال : إنه ما جلس عدتكم إلا جلس معه عدتهم جليسهم من الملائكة ، إن سبّحوا الله سبحوه ، وإن حَمَدوا الله حمدوه ، وإن كبّروا الله كبروه . . . يصعدون إلى الرب وهو أعلم فيقولون : ربنا ، إن عبادك سبحوك فسبحنا ، وكبروك فكبرنا ، وحمدوك فحمدنا . فيقول ربنا : يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لهم . فيقولون : فيهم فلان الخطاء . فيقول : هم القوم لا يشقى بهم جليسهم » .

وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال : «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاصّ يقص ، فأمسك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قصّ ، فلأن أقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس ، أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب » .

وأخرج أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وأبو نصر السجزي في الإبانة ، عن أبي سعيد قال : أتى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ناس من ضعفة المسلمين ، ورجل يقرأ علينا القرآن ويدعو لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم ، ثم قال : بشر فقراء المسلمين بالنور التام يوم القيامة ، يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم ، مقدار خمسمائة عام . هؤلاء في الجنة يتنعمون وهؤلاء يحاسبون » .

وأخرج أحمد في الزهد ، عن ثابت قال : «كان سلمان في عصابة يذكرون الله ، فمر النبي فكفوا فقال : ما كنتم تقولون ؟ قلنا : نذكر الله . قال : فإني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها . ثم قال : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم » .

وأخرج أحمد عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه ، إلا ناداهم منادٍ من السماء أن : قوموا مغفوراً لكم ، قد بدلت سيئاتكم حسنات » .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن نافع قال : أخبرني عبد الله بن عمر في هذه الآية { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم } أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبة .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس مثله .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده في قوله : { واصبر نفسَكَ } الآية . قال : نزلت في صلاة الصبح وصلاة العصر .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي بن الخيار في هذه الآية قال : هم الذين يقرأون القرآن .

وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } قال : نزلت في أمية بن خلف ، وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة ، فأنزل الله { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } يعني ، من ختمنا على قلبه ، يعني التوحيد { واتبع هواه } يعني الشرك { وكان أمره فرطاً } يعني فرطا في أمر الله وجهالة بالله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن بريدة قال : دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعنده سلمان عليه جبة من صوف ، فثار منه ريح العرق في الصوف ، فقال عيينة : يا محمد ، إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وضرباءه من عندك ؛ لا يؤذونا ؛ فإذا خرجنا فأنت وهم أعلم . فأنزل الله { ولا تطع من أغفلنا قلبه } الآية .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال : «حدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تصدى لأمية بن خلف وهو ساه غافل عما يقال له ، فأنزل الله { ولا تطع من أغفلنا قَلبَه } الآية . فرجع إلى أصحابه وخلى عن أمية ، فوجد سلمان يذكرهم فقال : «الحمد لله الذي لم أفارق الدنيا حتى أراني أقواماً من أمتي أمرني أن أصبر نفسي معهم » .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : هم أهل الذكر .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من طريق منصور ، عن إبراهيم في قوله : { واصبر نفسَكَ } الآية . قال : لا تطردهم عن الذكر .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن أبي جعفر في الآية قال : أمر أن يصبر نفسه مع أصحابه يعلمهم القرآن .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { مع الذين يدعون ربهم } قال : يعبدون ربهم . وقوله : { ولا تعد عيناك عنهم } يقول : لا تتعداهم إلى غيرهم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هاشم في الآية قال : كانوا يتفاضلون في الحلال والحرام .

وأخرج الحكيم الترمذي ، عن سعيد بن جبير في قوله : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : المفاضلة في الحلال والحرام .

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن إبراهيم ومجاهد { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : الصلوات الخمس .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : نزلت { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } في عيينة بن حصن ؛ قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لقد آذاني ريح سلمان الفارسي ، فاجعل لنا مجلساً معك لا يجامعنا فيه ، واجعل لهم مجلساً منك لا نجامعهم فيه . فنزلت .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وكان أمره فرطاً } قال : ضياعاً .