الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا} (28)

وقال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نحِّ هؤلاء الموالي الذين كأن ريحهم ريح الضأن ، وهم : صهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء المسلمين ، حتى نجالسك كما قال نوح : { أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون } [ الشعراء : 111 ] فنزلت : { واصبر نَفْسَكَ } وأحبسها معهم وثبتها . قال أبو ذؤيب :

فَصَبَرْتُ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً *** تَرْسُوا إذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ

{ بالغداة والعشى } دائبين على الدعاء في كل وقت . وقيل : المراد صلاة الفجر والعصر . وقرىء : «بالغدوة » وبالغداة أجود ؛ لأن غدوة علم في أكثر الاستعمال . وإدخال اللام على تأويل التنكير كما قال :

. . . . . . وَالزَّيْدُ زَيْدُ المَعَارِكِ ***

ونحوه قليل في كلامهم ، يقال : عداه إذا جاوزه ومنه قولهم . عدا طوره . وجاءني القوم عدا زيداً . وإنماعدي بعن ، لتضمين عدا معنى نبا وعلا ، في قولك : نبت عنه عينه وعلت عنه عينه : إذا اقتحمته ولم تعلق به .

فإن قلت : أي غرض في هذا التضمين ؟ وهلا قيل : ولا تعدهم عيناك ، أو لا تعل عيناك عنهم ؟ قلت الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين ، وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك : ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم ؟ ونحوه قوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالهم إلى أموالكم } [ النساء : 2 ] أي ولا تضموها إليها أكلين لها . وقرىء «ولا تعد عينيك ، ولا تعدّ عينيك » من أعداه نقلا بالهمزة وتثقيل الحشو . ومنه قوله :

فَعُدْ عَمَّا تَرَى إذْ لاَ ارْتِجَاعَ لَهُ ***

لأن معناه : فعد همك عما ترى . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزدرى بفقراء المؤمنين ، وأن تنبو عينه عن رثاثة زيهم طموحاً إلى زيّ الأغنياء وحسن شارتهم { تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا } في موضع الحال { مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ } من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر بالخذلان . أو وجدناه غافلاً عنه ، كقولك : أجبنته وأفحمته وأبخلته ، إذا وجدته كذلك . أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة ، أي : لم نسمه بالذكر ولم نجعلهم من الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله { واتبع هواه } وقرىء «أغفلنا قلبه » بإسناد الفعل إلى القلب على معنى : حسبنا قلبه غافلين ، من أغفلته إذا وجدته غافلاً { فُرُطًا } متقدّماً للحق والصواب نابذاً له وراء ظهره من قولهم «فرس فرط » متقدّم للخيل .