فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ} (17)

{ مثلهُمْ } مرتفع بالابتداء ، وخبره إما الكاف في قوله { كَمَثَلِ } لأنها اسم : أي مثل ، مثل كما في قول الأعشى :

أتنتهون ولن تنهى ذوى شطط *** كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل

وقول امرئ القيس :

ورحنا بِكَابنِ الماء يجنب وسطنا *** تصوّب فيه العين طوراً وترتقي

أراد مثل الطعن وبمثل ابن الماء ، ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً ، أي مثلهم مستنير كمثل ، فالكاف على هذا حرف . والمثل : الشبه ، والمثلان : المتشابهان و { الذى } موضوع موضع الذين : أي كمثل الذين استوقدوا ، وذلك موجود في كلام العرب ، كقول الشاعر :

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم *** هم القوم كل القوم يا أمّ خالد

ومنه { وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُوا } [ التوبة : 69 ] ومنه { والذى جَاء بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ المتقون } [ الزمر : 33 ] . ووقود النار : سطوعها وارتفاع لهبها ، و { استوقد } بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب ، فالسين والتاء زائدتان ، قاله الأخفش . ومنه قول الشاعر :

ودَاعٍ دَعا يا من يُجيب إلى الندا *** فلم يَسْتَجِبْهُ عند ذاك مُجيبُ

أي : يجبه . والإضاءة فرط الإنارة ، وفعلها يكون لازماً ومتعدياً . و { مَا حَوْلَهُ } قيل ما زائدة . وقيل هي موصولة في محل نصب على أنها مفعول أضاءت وحوله منصوب على الظرفية ، و { ذَهَبَ } من الذهاب ، وهو زوال الشيء . و { تركهم } أي : أبقاهم { في ظلمات } جمع ظلمة . وقرأ الأعمش بإسكان اللام على الأصل . وقرأ أشهب العقيلي بفتح اللام ، وهي عدم النور .

/خ18