فردّ الله ذلك عليهم بقوله : { الله يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } أي : ينزل بهم الهوان والحقارة وينتقم منهم ويستخفّ بهم ؛ انتصافاً منهم لعباده المؤمنين ، وإنما جعل سبحانه ما وقع منه استهزاء مع كونه عقوبة ومكافأة مشاكلة .
وقد كانت العرب إذا وضعت لفظاً بإزاء لفظ جواباً له وجزاء ذكرته بمثل ذلك اللفظ وإن كان مخالفاً له في معناه . وورد ذلك في القرآن كثيراً ، ومنه { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] { فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ] والجزاء لا يكون سيئة . والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق ، ومنه { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله } [ آل عمران : 54 ] و{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً } [ الطارق : 15 16 ] { يخادعون الله والذين ءامَنُوا } [ البقرة : 9 ] { يخادعون الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } [ المائدة : 116 ] . وهو في السنة كثير كقوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله لا يملّ حتى تملوا » وإنما قال { الله يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } لأنه يفيد التجدّد وقتاً بعد وقت ، وهو : أشدّ عليهم وأنكأ لقلوبهم ، وأوجع لهم من الاستهزاء الدائم الثابت ، المستفاد من الجملة الإسمية ، لما هو محسوس من أن العقوبة الحادثة وقتاً بعد وقت ، والمتجددة حيناً بعد حين ، أشدّ على من وقعت عليه من العذاب الدائم المستمرّ ؛ لأنه يألفه ، ويوطن نفسه عليه . والمدّ : الزيادة . قال يونس بن حبيب : يقال مدّ في الشر ، وأمدّ في الخير ، ومنه { وأمددناكم بأموال وَبَنِينَ } [ الإسراء : 6 ] { وأمددناهم بفاكهة وَلَحْمٍ } [ الطور : 22 ] . وقال الأخفش : مددت له إذا تركته ، وأمددته : إذا أعطيته . وقال الفراء واللحياني : مددت فيما كانت زيادته من مثله ، يقال : مدّ النهر ، ومنه { والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } [ لقمان : 27 ] وأمددت فيما كانت زيادته من غيره ، ومنه : { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالافٍ منَ الملائكة } [ آل عمران : 125 ] والطغيان مجاوزة الحدّ ، والغلوّ في الكفر ، ومنه { إِنَّا لَمَّا طغى الماء } [ الحاقة : 11 ] أي : تجاوز المقدار الذي قدّرته الخُزَّان . وقوله في فرعون : { إِنَّهُ طغى } [ طه : 24 ، 43 ] أي : أسرف في الدعوى حيث قال : { أَنَا رَبُّكُمُ الأعلى } [ النازعات : 24 ] . والعمه والعامه : الحائر المتردد ، وذهبت إبله لعمهي : إذا لم يدر أين ذهبت ، والعمه في القلب كالعمى في العين . قال في الكشاف : العمه مثل العمى ، إلا أن العمى في البصر والرأي ، والعمه في الرأي خاصة انتهى . والمراد : أن الله سبحانه يطيل لهم المدّة ويمهلهم كما قال : { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمَاً } [ آل عمران : 178 ] . قال ابن جرير { فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ } في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم يترددون حيارى ضلالاً يجدون إلى المخرج منه سبيلاً ، لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها ، وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها ، فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.