تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (23)

{ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو الغني الكبير } .

المفردات :

فزع عن قلوبهم : أزيل الخوف عن قلوبهم يقال فزع عنه ، مثل قولهم : قردت البعير إذا أزلت قراده والفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف .

التفسير :

كان الكفار يعتقدون أن الأصنام أو الملائكة أو غير ذلك من الآلهة المدعاة تشفع لهم عند الله يوم القيامة ، ويقولون : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . . . } . ( الزمر : 3 ) .

فبين القرآن أن الشفاعة لا تكون إلا لمن أذن له الله من نبي مرسل أو ملك مقرب وأن هول القيامة ، والخوف من الله يتملك الناس والخلق أجمعين وكذلك الخوف من عدم قبول الشفاعة ، فإذا ذهب الخوف ويتأمل الجميع في رضوان الله وسابغ رحمته سأل الأنبياء والمرسلون الملائكة المقربين ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق : أي قالت الملائكة : قال الله تعالى الحق فهو سبحانه الحق وقوله الحق أي الحق الكلي الحق الأزلي الحق اللدني .

{ وهو العلي الكبير } : صاحب الكبرياء والعظمة والملك والتصرف له وحده سبحانه .

من تفسير القرطبي : في صحيح الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى الله في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله : كأنها سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق وهو العلي الكبير قال : والشياطين بعضهم فوق بعض " قال : حديث حسن صحيح .

أي لا تنفع الشفاعة إلا من الملائكة الذين هم اليوم فزعون مطيعون لله تعالى دون الجمادات والشياطين وقد أورد القرطبي كلاما كثيرا في تفسير الآية خلاصته ما يأتي : إنه إذا أذن للشفعاء في الشفاعة ، وورد عليهم كلام الله فزعوا لما يقترن بتلك الحال من الأمر الهائل والخوف أن يقع في تنفيذ ما أذن لهم فيه تقصير فإذا سرى عنهم قالوا للملائكة فوقهم وهم الذين يوردون عليهم بالوحي بالإذن : { ماذا قال ربكم } : أي ماذا أمر الله به { قالوا الحق } : وهو أنه أذن لكم في الشفاعة للمؤمنين وهو العلي الكبير فله أن يحكم في عباده بما يريد .

***

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (23)

فلم يبق إلا الشفاعة ، فنفاها بقوله : { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } فهذه أنواع التعلقات ، التي يتعلق بها المشركون بأندادهم ، وأوثانهم ، من البشر ، والشجر ، وغيرهم ، قطعها اللّه وبيَّن بطلانها ، تبيينا حاسما لمواد الشرك ، قاطعا لأصوله ، لأن المشرك إنما يدعو ويعبد غير اللّه ، لما يرجو منه من النفع ، فهذا الرجاء ، هو الذي أوجب له الشرك ، فإذا كان من يدعوه [ غير اللّه ] ، لا مالكا للنفع والضر ، ولا شريكا للمالك ، ولا عونا وظهيرا للمالك ، ولا يقدر أن يشفع بدون إذن المالك ، كان هذا الدعاء ، وهذه العبادة ، ضلالا في العقل ، باطلة في الشرع .

بل ينعكس على المشرك مطلوبه ومقصوده ، فإنه يريد منها النفع ، فبيَّن اللّه بطلانه وعدمه ، وبيَّن في آيات أخر ، ضرره على عابديه{[734]}  وأنه يوم القيامة ، يكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، ومأواهم النار { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }

والعجب ، أن المشرك استكبر عن الانقياد للرسل ، بزعمه{[735]}  أنهم بشر ، ورضي أن يعبد ويدعو الشجر ، والحجر ، استكبر عن الإخلاص للملك الرحمن الديان ، ورضي بعبادة من ضره أقرب من نفعه ، طاعة لأعدى عدو له وهو الشيطان .

وقوله : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } يحتمل أن الضمير في هذا الموضع ، يعود إلى المشركين ، لأنهم مذكورون في اللفظ ، والقاعدة في الضمائر ، أن تعود إلى أقرب مذكور ، ويكون المعنى : إذا كان يوم القيامة ، وفزع عن قلوب المشركين ، أي : زال الفزع ، وسئلوا حين رجعت إليهم عقولهم ، عن حالهم في الدنيا ، وتكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل ، أنهم يقرون ، أن ما هم عليه من الكفر والشرك ، باطل ، وأن ما قال اللّه ، وأخبرت به عنه رسله ، هو الحق فبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وعلموا أن الحق للّه ، واعترفوا بذنوبهم .

{ وَهُوَ الْعَلِيُّ } بذاته ، فوق جميع مخلوقاته وقهره لهم ، وعلو قدره ، بما له من الصفات العظيمة ، جليلة المقدار { الْكَبِيرُ } في ذاته وصفاته .

ومن علوه ، أن حكمه تعالى ، يعلو ، وتذعن له النفوس ، حتى نفوس المتكبرين والمشركين .

وهذا المعنى أظهر ، وهو الذي يدل عليه السياق ، ويحتمل أن الضمير يعود إلى الملائكة ، وذلك أن اللّه تعالى إذا تكلم بالوحي ، سمعته الملائكة ، فصعقوا ، وخروا للّه سجدا ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه اللّه من وحيه بما أراد ، وإذا زال الصعق عن قلوب الملائكة ، وزال الفزع ، فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك الكلام الذي صعقوا منه : ماذا قال ربكم ؟ فيقول بعضهم لبعض : قال الحق ، إما إجمالا ، لعلمهم أنه لا يقول إلا حقا ، وإما أن يقولوا : قال كذا وكذا ، للكلام الذي سمعوه منه ، وذلك من الحق .

فيكون المعنى على هذا : أن المشركين الذين عبدوا مع اللّه تلك الآلهة ، التي وصفنا لكم عجزها ونقصها ، وعدم نفعها بوجه من الوجوه ، كيف صدفوا وصرفوا عن إخلاص العبادة للرب العظيم ، العلي الكبير ، الذي - من عظمته وجلاله - أن الملائكة الكرام ، والمقربين من الخلق ، يبلغ بهم الخضوع والصعق ، عند سماع كلامه هذا المبلغ ، ويقرون كلهم للّه ، أنه لا يقول إلا الحق .

فما بال هؤلاء المشركين ، استكبروا عن عبادة من هذا شأنه ، وعظمة ملكه وسلطانه . فتعالى العلي الكبير ، عن شرك المشركين ، وإفكهم ، وكذبهم .


[734]:- في ب: عابديها.
[735]:- في النسختين: بزعمهم، ولعل الأقرب -والله أعلم- ما أثبت.