إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِيهِۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (191)

{ واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } أي حيث وجدتمُوهم من حِلَ أو حَرَم وأصلُ الثقَفِ الحذَقُ في إدراك الشيء علماً أو عملاً وفيه معنى الغلبة ، ولذلك استعمل فيها قال : [ الوافر ]

فإما تَثْقَفوني فاقتُلوني *** فمَنْ أثقَفْ فليس إلى خلود{[90]}

{ وَأَخْرِجُوهُمْ منْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } أي من مكةَ ، وقد فُعل بهم ذلك يوم الفتح بمن لم يُسلم من كفارها { والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل } أي المحنة التي يُفتتن بها الإنسانُ كالإخراج من الوطن أصعبُ من القتل لدوام تعبها وبقاءِ ألم النفس بها ، وقيل : شركُهم في الحرم وصدُّهم لكم عنه أشدُّ من قتلكم إياهم فيه { وَلاَ تقاتلوهم عِندَ المسجد الحرام } أي لا تفاتحوهم بالقتل هناك ولا تهتِكوا حرمةَ المسجد الحرام { حتى يقاتلوكم فِيهِ فَإِن قاتلوكم } ثمَةَ { فاقتلوهم } فيه ولا تُبالوا بقتالهم ثمةَ لأنهم الذين هتَكوا حُرمتَه فاستحقُّوا أشدَّ العذاب ، وفي العُدول عن صِيغة المفاعَلة التي بها وردَ النهيُ والشرطُ عِدَةً بالنصر والغلبة ، وقرئ " ولا تقتُلوهم حتى يقتُلوكم فإن قاتلوكم فاقتلوهم " والمعنى حتى يقتُلوا بعضَكم كقولهم : قتلتْنا بنو أسدٍ { كذلك جَزَاء الكافرين } يُفعلُ بهم مثلُ ما فعلوا بغيرهم .


[90]:وهو لعمرو ذي الكلب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 567 وتاج العروس 23/61، 63 (ثقف) وبلا نسبة في لسان العرب 9/20 (ثقف) وقد ورد العجز في المعجم المفصل كالتالي: "فإن أثقف فسوف ترون بالي".