الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِيهِۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (191)

وقوله تعالى : { واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ }[ البقرة :191 ] .

قال ابْنُ إِسحاق وغيره : نزَلَتْ هذه الآيةُ في شأنِ عَمْرو بن الحَضْرَمِيِّ ، وواقدٍ ، وهي سَرِيَّةُ عبد اللَّه بن جَحْش ، و{ ثَقِفْتُمُوهُمْ } معناه : أحكمتم غلبتهم ، يقال : رَجُلٌ ثَقِفٌ لَقِفٌ ، إِذا كان محكِماً لما يتناوَلُهُ من الأمور .

و{ أَخْرِجُوهُم } : خطابٌ لجميع المؤمنين ، والضميرُ لكفار قريش .

و{ الفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل }[ البقرة :191 ] أي : الفتنةُ التي حملوكم علَيْها ، ورامُوكم بِهَا على الرُّجوع إِلى الكفر ، أشدُّ من القتْل ، ويحتمل أن يكون المعنى : والفتنةُ أي : الكفر والضَّلال الذي هم فيه أَشَدُّ في الحَرَمِ ، وأعظم جُرْماً من القتل الَّذي عيَّروكم به ، في شأن ابْنِ الحَضْرَمِيِّ .

وقوله تعالى : { وَلاَ تقاتلوهم عِندَ المسجد الحرام . . . } [ البقرة :191 ] .

قال الجمهورُ كان هذا ثُمَّ نُسِخَ : وقال مجاهد : الآية محكمةٌ ، ولا يجوز قتال أحد ، يعني : عند المسجد الحرام ، إِلا بعد أن يقاتل .

قلتُ : وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ ، وَلَمْ تُحَلَّ لأَحَدٍ بَعْدِي ) يقوي قول مجاهد ، وهذا هو الراجحُ عند الإِمام الفَخْر ، وأنَّ الآية محكمةٌ ، ولا يجوز الابتداء بالقتالِ في الحرم . انتهى .

قال ابن العَرَبِيِّ في «أحكامه » : وقد روى الأئمَّة عن ابن عَبَّاس ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَ فَتْح مكَّة : ( إِنَّ هَذَا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ تعالى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تعالى إلى يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَأِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهَا لأَحَدٍ قَبْلِي ، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ) . فقد ثبت النهْيُ عن القتالِ فيها قُرآناً وسُنَّة ، فإِن لجأ إِليها كافرٌ ، فلا سبيل إِلَيْه ، وأما الزانِي والقاتلُ ، فلا بُدَّ من إِقامة الحَدِّ عليه إِلا أنْ يبتدئ الكافر بالقتَال فيها ، فيقتل ، بنصِّ القرآن ، انتهى .

وقرأ حمزة والكسائيّ : { وَلاَ تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حتى يَقْتُلُوكُمْ فِيهِ ، فَإِنْ قَتَلُوكُمْ فاقتلوهم }[ البقرة :191 ] ، أي : فإِن قتلوا منْكم .