الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى } كان ابن عمه لأنّه قارون بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب ، وموسى بن عمران بن فاهث ، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال ابن إسحاق : تزوّج يصهر ابن فاهث شميت بنت تباويت بن بركيا بن يقشان بن إبراهيم فولدت له عمران بن يصهر وقارون ابن يصهر ، فنكح ( عمران ) نجيب بنت سمويا بن بركيا بن رمنان بن بركيا فولدت له هارون ابن عمران وموسى بن عمران ( عليهم السلام ) ، فموسى على قول ابن إسحاق : ابن اخي قارون وقارون عمه لأبيه وأُمه ، قال قتادة : وكان يسمّى المنوّر لحسن صورته ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة منه ، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري .

{ فَبَغَى عَلَيْهِمْ } أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا موسى بن محمد ، قال : حدّثنا الحسن بن علوية ، قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، عن المسيّب أنّ قارون كان من قوم موسى { فَبَغَى عَلَيْهِمْ } قال : كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل وكان يبغي عليهم ويظلمهم ، قال ابن عباس : كان فرعون قد ملّكه على بني إسرائيل حين كان بمصر ، سعيد ، عن قتادة : { بَغَى عَلَيْهِمْ } بكثرة ماله وولده ، سفيان عنه : بالكبر والبذخ ، عطاء الخراساني وشهر بن حوشب : زاد عليهم في الثياب شبراً { وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ } وهي جمع المفتح ، وهو الذي يفتح به الباب { لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ } أي لتثقل بهم إذا حملوها لثقلها ، يقال : ناء ينوء نوْءاً إذا نهض بثقل ، قال الشاعر :

تنوء بأخراها فلأيا قيامها *** وتمشي الهوينا عن قريب فتبهر

واختلفوا في مبلغ عدد العصبة في هذا الموضع ، فقال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر ، قتادة : ما بين العشرة إلى أربعين ، أبو صالح : أربعون رجلا ، عكرمة منهم من يقول : أربعون ، ومنهم من يقول : سبعون ، الضحّاك عن ابن عباس : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : ستون .

روى جرير ، عن منصور ، عن خيثمة ، قال : وجدت في الإنجيل أنّ مفاتيح خزائن قارون توقر ستين بغلا غرّاء محجّلة ، ما يزيد منها مفتاح على أصبع ، لكل مفتاح منها كنز ، مجاهد : كانت المفاتيح من جلود الإبل ، ويقال : كان قارون ( أينما ) ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه ، وكانت من حديد ، فلمّا ثقلت عليه جعلت من خشب ، فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع ، وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا .

وقال بعضهم : أراد بالمفاتيح الحرَّاس وإليه ذهب أبو صالح . وروى حصين ، عن أبي زرين قال : لو كان مفتاح واحد لأهل الكوفة كان كافياً إنّما يعني كنوزه ، فإن قيل : فما وجه قوله : { لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ } وإنّما العصبة هي التي تنوء بها ، قيل فيه قولان : أحدهما يميل بهم ويثقلهم حملها ، والآخر قال أهل البصرة : قد يفعل العرب هذا ، تقول للمرأة : إنّها لتنوء بها عجيزتها ، وإنّما هي تنوء بعجيزتها كما ينوء البعير بحمله ، وقال الشاعر :

فديت بنفسه نفسي ومالي *** وما آلوك إلاّ ما أطيق

والمعنى فديت بنفسي ومالي نفسه ، وقال آخر :

وتركب خيلا لا هوادة بينها *** وتشقي الرماح بالضياطرة الحمر

وإنّما يشقي الضياطرة بالرماح ، والخيل هاهنا : الرجال .

{ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } من بني إسرائيل { لاَ تَفْرَحْ } لا تأشر ولا تمرح ، ومنه قول الله سبحانه : { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } ، وقال الشاعر :

ولست بمفراح إذا الدهر سرّني *** ولا جازع من صرفه المتحول

أراد : لست بأشر ؛ لأن السرور غير مكروه ولا مذموم { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } الأشِرين البطِرين المتكبِرين الذين لا يشكرون الله سبحانه على ما أعطاهم .

أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا منصور بن جعفر النهاوندي ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى النهاوندي ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن الجارود ، قال : حدّثنا محمد بن عمرو بن حيان عن نفته قال : حدّثنا مبشر بن عبد الله في قول الله سبحانه وتعالى : { لاَ تَفْرَحْ } قال : لا تفسد إنّ الله لا يحب الفرحين المفسدين ، وقال الشاعر :

إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة *** وتحمل أُخرى أفرحتك الودائع

يعني أفسدتك .