النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

قوله تعالى : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى } قال ابن عباس : كان ابن عمه ، قاله قتادة : ابن عم موسى أخي أبيه وكان قطع البحر مع بني إسرائيل وكان يسمى : المنور ، من حسن صوته بالتوراة ، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري .

{ فَبَغَى عَلَيْهِمْ } فيه ستة أقاويل :

أحدها : بغيه عليهم أنه كفر بالله ، قاله الضحاك .

الثاني : أنه زاد في طول ثيابه شبراً ، قاله شهر بن حوشب .

الثالث : أنه علا عليهم بكثرة ماله وولده ، قاله قتادة .

الرابع : أنه صنع بغياً ، حين أمر الله موسى برجم الزاني فعمد قارون إلى امرأة بغيّ فأعطاها مالاً وحملها على أن ادعت عليه أنه زنى بها وقال : فأنت قد زنيت . وحضرت البغي فادّعت ذلك عليه فعظم على موسى ما قالت وأحلفها بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلاّ صدقت فقالت : أشهد أنك بريء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على أن قلت ما قلت وأنت الصادق وقارون الكاذب فكان هذا بغيه ، قاله ابن عباس . قال السدي : وكان اسم البغي شجرتا وبذل لها قارون ألفي درهم .

الخامس : أنه كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم ، قاله يحيى بن سلام .

السادس : أنه نسب ما آتاه الله من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته ، قاله ابن بحر .

{ وََآتَيْناَهُ مِنَ الْكُنُوزِ } فيه قولان :

أحدهما : أنه أصاب كنزاً من كنوز يوسف عليه السلام ، قاله عطاء .

الثاني : أنه كان يعمل الكيمياء{[1]} ، قاله الوليد .

{ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ } فيه أربعة أقاويل :

أحدها : خزائنه ، قاله السدي وأبو رزين .

الثاني : أوعيته ، قاله الضحاك .

الثالث : مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً .

الرابع : أن مفاتيح الكنوز إحاطة علمه بها ، حكاه ابن بحر لقول الله

{ وَعِندَهُ مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ }

[ الأنعام : 59 ] .

{ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : لتثقل العصبة ، قاله ابن عباس وأبو صالح والسدي .

الثاني : لتميل بالعصبة ، قاله الربيع بن أنس مأخوذ من النأي وهو البعد قال الشاعر :

ينأوْن عنا وما تنأى مودّتهم *** والقلب فيهم رهين حيثما كانوا

الثالث : لتنوء به العصبة كما قال الشاعر :

إنّا وجدنا خلفَاً بئس الخلف *** عبداً إذا ما ناء بالحمل خضف{[2]}

والعصبة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض واختلف في عددهم على سبعة أقاويل :

أحدهما : سبعون رجلاً ، قاله أبو صالح .

الثاني : أربعون رجلاً ، قاله الحكم وقتادة والضحاك .

الثالث : ما بين العشرة إلى الأربعين ، قاله السدي .

الرابع : ما بين العشرة إلى الخمسة عشر ، قاله مجاهد .

الخامس : ستة أو سبعة ، قاله ابن جبير .

السادس : ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر ، قاله عبد الرحمن بن زيد .

السابع : عشرة لقول إخوة يوسف

{ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ }

[ يوسف : 8 ] قاله الكلبي ومقاتل .

وزعم أبو عبيدة أن هذا من المقلوب تأويله : إن العصبة لتنوء بالمفاتح .

{ أوْلِي الْقُوَّةِ } قال السدي أولي الشدة .

{ إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه قول المؤمنين منهم ، قاله السدي .

الثاني : قول موسى ، قاله يحيى بن سلام .

{ لاَ تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : لا تبغ إن الله لا يحب الباغين ، قاله مجاهد .

الثاني : لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين ، قاله ابن بحر .

الثالث : لا تبطر إن الله لا يحب البطرين ، قاله السدي ، وقال الشاعر{[3]} :

ولست بمفراحٍ إذا الدهر سَرَّني *** ولا جازعٍ من صرفه المتقلّب


[1]:- ذكر العلماء لفاتحة الكتاب اثنى عشر اسما هي: فاتحة الكتاب وأم القرآن وأم الكتاب وسورة الصلاة وسورة الحمد والسبع المثاني والقرآن العظيم والشفاء والرقية والأساس والوافية والكافية، والحديث عند أبي داود رقم 1457 والترمذي رقم 3320.
[2]:- آية 4 الزخرف.
[3]:- قال بعض العلماء: إن "بسم الله الرحمن الرحيم" تضمنت جميع الشرع، لأنها تدل على الذات وعلى الصفات. وفي الحديث: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر. و المعنى منزوع البركة.