معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

وقوله : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ76 } وكان ابن عمِّه { فَبَغَى عَلَيْهِمْ } وبَغْيه عليهم أنه قال : إذا كانت النبوّة لموسى ، وكان المذبح والقُرْبان الذي يُقَرّب في يد هارون فمالي ؟

وقوله : { وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ } نَوؤها بالعُصْبة أن تُثقلهم ، والعُصْبة ها هنا أربعون رجلاً ومفاتحه : خزائنه . والمعنى : ما إن مفاتحه لتُنئ العُصْبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت : تنوء بهم وتُنئ بهم ، كما قال { آتُوني أُفرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } والمعنى : ائتوني بقِطْرٍ افرغ عَليه ، فإذا حذفت الباء زدت في الفعل ألِفاً في أوَّله . ومثله { فَأَجَاءها المَخَاضُ } معناه : فجاء بها المخاض . وقد قال رجل من أهل العربية : إن المعنى : ما إن العُصْبة لتنوءُ بمفاتحه فحوّل الفعل إلى المفاتح كما قال الشاعر :

إن سراجاً لكريم مفخره *** تَحْلَى به العَيْنُ إذا ما تَجْهَرُه

وهو الذي يَحْلَى بالعين . فان كان سَمع بهذا أثراً فهو وجه . وإلاّ فإنّ الرجل جَهل المعنى . ولقد أنشدني بعض العرب :

حتى إذا ما التأمَتْ مَوَاصِلُهْ *** وناء في شقٍّ الثِّمالِ كاهِلُهْ

يعنى الرامي لما أخذ القوس ونزع مال على شِقِّه . فذلك نَوْؤه عَليها . ونُرى أن قول العرب : ما ساءك وناءك من ذلكَ ، ومَعناه ما سَاءك وأناءك ، إلا أنّه أَلقى الألِف ؛ لأنه مُتْبَع لساءك ، كما قالت العرب : أكلت طعاما فهَنأنِي ومَرَأَني ، ومَعْناه ، إذا أفردت : وأمرأني ، فحذفت منه الألِف لما أن أُتبع ما لا ألفِ فيه .

وقوله : { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ } ذكروا أن موسى الذي قال له ذلكَ ؛ لأنه من قومه وإن كان على غير دينه . وجمعَه ها هنا وهو وَاحد كقول الله { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الناسُ إنَّ الناسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } وإنما كان رَجُلاً من أَشْجع وقوله { الفَرِحين } وَلو قيلَ : الفارحين كان صواباً ، كأنَّ الفارحينَ : الذين يفرحون فيما يَستقبِلون ، والفرحين الذين هم فيه السَّاعة ، مثل الطامع والطَمِع ، والمائت والميّت ، والسَّالس والسَّلِس . أنشدَني بعض بنى دُبَير ، وهم فصحاء بنى أَسَدٍ :

ممكورةٌ غَرْثي الوشاحِ السَّالِسِ * تضحك عن ذى أُشُر عُضارس

العضارس البارد وهو مأخوذ من العَضْرس وهو البَرْد . يقال : سَالِس وسلِس .