غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

71

وفي قوله { فبغى عليهم } وجوه أحدها : أن بغيه استخفافه بالفقراء . وثانيها أن ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم . وقال القفال : معناه طلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت يده . وقال الضحاك : طغى عليهم واستطال فلم يوافقهم في أمر . ابن عباس : تجبر وتكبر عليهم ومثله عن شهر بن حوشب قال : بغيه أنه زاد عليهم في الثياب شبراً فهذا يعود إلى التكبر . الكلبي : بغيه حسده وذلك أنه لما جوز بهم موسى البحر وصارت الرسالة له والوزارة لهارون ، وكان القربان إلى موسى فجعله إلى هارون فوجد قارون في نفسه حسدهما فقال لموسى : الأمر لكما ولست على شيء إلى متى اصبر ؟ قال موسى : هكذا حكم الله . قال : والله لا أصدقك حتى تأتي بآية ، فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يأتي كل واحد بعصا فألقى مجموع العصيّ في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها فأصبحوا فإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال قارون : ما هو بأعجب مما تصنع من السحر . واعتزل قارون بأتباعه وكان كثير المال كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله { وآتيناه من الكنوز } سأل الكلبي : ألستم تقولون إن الله لا يعطي الحرام فكيف أضاف إيتاء مال قارون إلى نفسه ؟ فأجاب بأنه لا حجة في أن ماله حرام لجواز أنه ظفر بكنز لبعض الملوك الخالية ، وكان الظفر عندهم طريق التملك ، أو لعله وصل إليه بالإرث من جهات ، أو بالكسب من جهة المضاربات وغيرها . والمفاتح جمع مفتح بكسر الميم وهو ما يفتح به الباب ، أو جمع مفتح بالفتح وهو الخزانة . فمن الناس من طعن في القول الأول لأن مال الرجل الواحد لا يبلغ هذا المبلغ ، ولو أنا قدرنا بلدة مملوءة من الذهب لكفاها أعداد قليلة من المفاتيح ولهذا قال أبو رزين : يكفي للكوفة مفتاح واحد . وأيضاً الكنوز هي الأموال المدفونة في الأرض ولا يتصوّر لها مفتاح . أجاب الناصرون للقول الأول وهو اختيار ابن عباس والحسن : أن المال إذا كان من جنس العروض لا من جنس النقود جاز أن يبلغ في الكثرة إلى هذا الحد . وأيضاً ما روي أن مفاتيحه كانت من جلود الإبل وكل مفتاح إصبع ولكل خزانة مفتاح ، وكان إذا ركب حملت المفاتيح ستون بغلاً غير مذكور في القرآن . فالصواب أن يفسر قوله { لتنوء } أي تنهض مثقلاً بأن تلك الخزائن يعسر ضبطها ومعرفتها على أهل القوّة في الحساب ، وقريب منه قول أبي مسلم : إن المراد من المفاتح العلم والإحاطة كقوله { وعنده مفاتح الغيب } [ الأنعام : 59 ] والمراد أن حفظها والاطلاع عليها يثقل على العصبة أولي القوّة والمتانة في الرأي . وظاهر الكنوز وإن كان من جهة العرف هو المال المدفون إلا أنه قد يقع على المال المجموع في المواضع التي عليها أغلاق . وأيضاً لا استبعاد في أن يكون موضع المال المدفون بيتاً تحت الأرض له غلق ومفتاح معه .

و { لا تفرح } كقوله { ولا تفرحوا بما آتاكم } [ الحديد : 23 ] وذلك أنه لا يفرح بالدنيا إلا من اطمأن ورضي بها . قال ابن عباس : كان حبه ذلك شركاً لأنه ما كان يخاف معه عقوبة الله تعالى .

/خ88