الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { إن قارون كان من قوم موسى } قال : كان ابن عمه ، وكان يبتغي العلم حتى جمع علماً ، فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى وحسده . فقال له موسى عليه السلام : إن الله أمرني أن آخذ الزكاة ، فأبى فقال : إن موسى عليه السلام يريد أن يأكل أموالكم . جاءكم بالصلاة ، وجاءكم بأشياء فاحتملتموها ، فتحملوه أن تعطوه أموالكم ؟ قالوا : لا نحتمل فما ترى فقال لهم : أرى أن أرسل إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ، فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها .

فأرسلوا إليها فقالوا لها : نعطيك حكمك على أن تشهدي على موسى أنه فجر بك . قالت : نعم . فجاء قارون إلى موسى عليه السلام قال : اجمع بني إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك قال : نعم . فجمعهم فقالوا له : بم أمرك ربك ؟ قال : أمرني أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تصلوا الرحم ، وكذا وكذا ، وقد أمرني في الزاني إذا زنى وقد أحصن أن يرجم . قالوا : وإن كنت أنت قال : نعم . قالوا : فإنك قد زنيت قال : أنا . فأرسلوا إلى المرأة ، فجاءت فقالوا : ما تشهدين على موسى ؟ فقال لها موسى عليه السلام : أنشدك بالله إلا ما صدقت قالت : أما إذ نشدتني بالله فإنهم دعوني وجعلوا لي جعلاً على أن أقذفك بنفسي ، وأنا أشهد أنك بريء ، وأنك رسول الله ، فخر موسى عليه السلام ساجداً يبكي ، فأوحى الله إليه : ما يبكيك ؟ قد سلطناك على الأرض ، فمرها فتطيعك .

فرفع رأسه فقال : خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم ، فجعلوا يقولون : يا موسى . . . يا موسى . . . فقال : خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم ، فجعلوا يقولون : يا موسى . . . يا موسى . . . فقال : خذيهم فغيبتهم فأوحى الله يا موسى : سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم ، وعزتي لو أنهم دعوني لأجبتهم . قال ابن عباس : وذلك قوله تعالى { فخسفنا به وبداره الأرض } وخسف به إلى الأرض السفلى .

وأخرج الفريابي عن إبراهيم رضي الله عنه قال : كان قارون ابن عم موسى .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { إن قارون كان من قوم موسى } قال : كان ابن عمه أخي أبي قارون بن مصر بن فاهث أو قاهث ، وموسى بن عرمرم بن فاهث أو قاهث ، وعرمرم بالعربية عمران .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله قال : كان قارون ابن عم موسى أخي أبيه ، وكان قطع البحر مع بني إسرائيل ، وكان يسمى النور من حسن صوته بالتوراة ، ولكن عدوّ الله نافق كما نافق السامري ، فأهلكه الله ببغيه .

وإنما بغى لكثرة ماله وولده .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { فبغى عليهم } قال : فعلا عليهم .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه في قوله { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم } قال : زاد عليهم في طول ثيابه شبراً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في قوله { وآتيناه من الكنوز } قال : أصاب كنزاً من كنوز يوسف .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الوليد بن زوران رضي الله عنه في قوله { وآتيناه من الكنوز } قال : كان قارون يعلم الكيمياء .

وأخرج ابن مردويه عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كانت أرض دار قارون من فضة ، وأساسها من ذهب » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن خيثمة رضي الله عنه قال : وجدت في الإِنجيل أن مفاتيح خزائن قارون كانت وقر ستين بغلاً غراً محجلةً ، ما يزيد منها مفتاح على أصبع ، لكل مفتاح كنز .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن خيثمة رضي الله عنه قال : كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كل مفتاح على خزانة على حدة ، فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلاً أغر محجلاً .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال : كانت المفاتيح من جلود الإِبل .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لتنوء بالعصبة } يقول : لا يرفعها العصبة من الرجال { أولي القوّة } .

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { لتنوء بالعصبة } قال : لتثقل قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت قول امرئ القيس إذ يقول :

تمشي فتثقلها عجيزتها *** مشي الضعيف ينوء بالوسق

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال { العصبة } ما بين العشرة إلى الخمسة عشر { أولوا القوّة } خمسة عشر .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي قال { العصبة } ما بين الخمس عشرة إلى الأربعين .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { العصبة } أربعون رجلاً .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : كنا نحدث أن { العصبة } ما فوق العشرة إلى الأربعين .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح مولى أم هانئ قال { العصبة } سبعون رجلاً . قال : وكانت خزانته تُحْمَلُ على أربعين بغلاً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { إذ قال له قومه لا تفرح } قال : هم المؤمنون منهم قالوا : يا قارون لا تفرح بما أوليت فتبطر .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إن الله لا يحب الفرحين } قال : المرحين ، الأشرين ، البطرين ، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم .

وأخرج الحاكم وصححه والطبراني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب والخرائطي في اعتلال القلوب عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يحب كل قلب حزين » .

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان وقال : هذا متن منكر ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « زُرِ القبور تَذْكُر بها الآخرة ، واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة ، وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك ، فإن الحزين في ظل الله يوم القيامة » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إن الله لا يحب الفرحين } قال : الفرح هنا البغي .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { إن الله لا يحب الفرحين } قال : إن الله لا يحب الفرح بطراً { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة } قال : تصدق ، وقرب الله تعالى ، وصل الرحم .

76