الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

قوله تعالى ذكره{[54149]} : { إن قارون كان من قوم موسى{[54150]} }[ 76 ] ، إلى قوله : { ولا يسأل عن ذنوبهم{[54151]} المجرمون }[ 78 ] ، " قارون " فاعول اسم أعجمي معرفة فلذلك{[54152]} لم ينصرف ومعنى { كان من قوم موسى } أي من عشيرته ، وكان ابن عمه لأبيه وأمه ، وكان عند موسى من عباد المؤمنين . وهو قارون بن يصهر{[54153]} بن قاهث ، وموسى : هو موسى بن عمران بن قاهث . قاله ابن جريج ، والنخعي ، وقتادة ، ومالك ابن دينار{[54154]} .

وقال ابن إسحاق : كان قارون عم موسى لأب وأم{[54155]} .

وقوله : { فبغى عليهم }[ 76 ] ، أي تجاوز حده في التكبر عليهم .

وقيل{[54156]} : كان بغيه أنه أحدث زيادة شبر في طول ثيابه{[54157]} ، قاله شهر بن حوشب{[54158]} .

وقال قتادة : كان بغيه عليهم بكثرة ماله{[54159]} .

قيل : إنه لكثرة ماله استخف بالفقراء ، وازدرى بني إسرائيل ، ولم يرع{[54160]} لهم حق الإيمان بالله .

وقيل{[54161]} : إنه كان ابن عم موسى ، وكان عالما بالتوراة فبغى على موسى ، وقصد إلى الإفساد عليه{[54162]} والتكذيب له ، وكان من طلبه للإفساد أن بغيا كانت مشهورة في بني إسرائيل فوجه إليها قارون ، وكن أيسر أهل زمانه ، فأمرها أن تصير إليه ، وهو في ملأ من أصحابه ، فتكذب على موسى ، وتقول : إن موسى طلبني للفساد ، وضمن لها قارون إن هي فعلت ذلك{[54163]} أن يخلطها بنسائه ، وأن يعطيها على ذلك عطاء كثيرا ، فجاءت المرأة ، وقارون جالس مع أصحابه ورزقها الله التوبة ، وقالت في نفسها : ما لي مقام توبة مثل هذا ، فأقبلت على أهل المجلس وقارون حاضر ، فقال لهم : إن قارون هذا وجه إلي يأمرني{[54164]} ويسألني أن أكذب على موسى وأن أقول : قد أرادني للفساد ، وأن قارون كاذب في ذلك . فلما سمع قارون كلامها تحير وأبلس{[54165]} ، واتصل الخبر بموسى عليه السلام{[54166]} فجعل الله أمر قارون إلى موسى ، وأمر الأرض أن تطيعه فيه ، فورد{[54167]} موسى على قارون ، فأحس قارون بالبلاء ، فقال : يا موسى ارحمني ، فقال : يا أرض خذيه ، فخسفت به إلى سرته ، ثم قال : يا أرض خذيه ، فخسفت به إلى عنقه ، واسترحم موسى فقال : يا أرض خذيه ، فخسفت{[54168]} به حتى ساخت الأرض به وبداره{[54169]} ، وهو{[54170]} قوله جل ذكره : { فخسفنا به وبداره الأرض }[ 81 ] .

وقوله : { وآتيناه من الكنوز }[ 76 ] ، أي كنوز الأموال { ما إن مفاتحه }[ 76 ] ، أي خزائنه .

وقيل{[54171]} : هي التي يفتح بها الأبواب ، والواحد في الوجهين : مفتاح{[54172]} ، وروى الأعمش عن خثيمة أنه قال{[54173]} : كانت مفاتح قارون تحمل على ستين بغلا ، كل مفتاح منها{[54174]}/ ، لباب كنز معلوم مثل الإصبع من{[54175]} جلود .

قال مجاهد{[54176]} : كانت المفاتيح{[54177]} من جلود الإبل .

وقال أبو صالح : كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا{[54178]} .

وقال الضحاك : مفاتحه : أوعيته{[54179]} .

وقيل : كانت مفاتح أقفال خزائنه لا تنقل من مكان إلى مكان إلا بعشرة أنفس من أهل القوة .

قال ابن عباس : { لتنوأ بالعصبة{[54180]} }[ 76 ] ، أي لتثقل بالعصبة{[54181]} .

وقال أبو عبيدة{[54182]} : مجازه ما إن العصبة ذوي القوة لتنوء بمفاتح{[54183]} نعمه ، والصحيح عند أهل اللغة أنه يقال{[54184]} : نؤت بالحمل : أي نهضت به على ثقل ، ونأنى{[54185]} ، وأنأني{[54186]} : إذا أثقلني .

وقيل المعنى{[54187]} : لتنيء العصبة{[54188]} : أي تميلهم{[54189]} من ثقلها ، كما يقال : ذهبت به ، وأذهبته .

والعصبة عند ابن عباس : أربعون ، وكذلك قال الضحاك وأبو صالح{[54190]} .

وقال قتادة : هي ما بين العشرة إلى الأربعين{[54191]} . وقال خيثمة : هم ستون ، وقال : كانت مفاتحه تحمل على ستين بغلا{[54192]} .

وقيل : كانت تحمل على ما بين ثلاثة إلى عشرة{[54193]} .

وروى الضحاك عن ابن عباس : { لتنوأ بالعصبة } قال : العصبة : ثلاثة ، وعنه : العصبة ما بين الثلاثة إلى العشرة{[54194]} .

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد{[54195]} : العصبة{[54196]} ما بين عشرة إلى خمسة{[54197]} عشر .

وروى{[54198]} ابن جرير عن مجاهد{[54199]} : العصبة خمسة{[54200]} عشر رجلا .

وحكى{[54201]} الزجاج{[54202]} : أن العصبة هنا : سبعون رجلا ، والعصبة في اللغة : الجماعة ، يتعصب بعضهم لبعض .

وقوله : { أولي القوة }[ 76 ] ، أي ذوي{[54203]} الشدة .

قال مجاهد : { أولي القوة } خمسة{[54204]} عشر رجلا{[54205]} .

ثم قال تعالى{[54206]} : { إذ قال له قومه لا تفرح إن الله{[54207]} }[ 76 ] ، أي{[54208]} لا تبطر ولا تأشر { إن الله لا يحب الفرحين }[ 76 ] ، أي البطرين الأشرين الذين لا يشكرون على ما آتاهم الله من فضله ، أمروا بالتواضع والاستكانة لله .

قال قتادة : { الفرحين }[ 76 ] ، المرحين ، وكذلك قال ابن عباس{[54209]} .

وقال مجاهد : المتبذخين{[54210]} .

وقيل{[54211]} : { الفرحين } المستهزئين .

وذكر الفراء : أم موسى الذي قال له{[54212]} ذلك وحده ، فأخبر عنه بلفظ الجماعة{[54213]} كما قال : { الذين{[54214]} قال لهم الناس }{[54215]} يعني نعيم بن مسعود{[54216]} .

وفرق الفراء{[54217]} بين الفرحين والفارحين ، فقال : الفرحين الذين هم في حال فرح ، والفارحين : الذين يفرحون فيما يستقبل ، ومثله عنده طمع وطامع{[54218]} ، وميت ومايت ، وقوله تعالى{[54219]} : { إنك ميت وإنهم ميتون }{[54220]} يدل على خلاف ما قال الفراء ، لأن هذا للمستقبل ، ولم يكونوا في حال موت إذ خوطبوا بهذا ، ولم يقل : مايت ومايتون .

وقال الزجاج{[54221]} : معنى { لا تفرح } أي لا تفرح بالمال فإن الفرح بالمال لا يؤدي فيه الحق .


[54149]:"تعالى ذكره" سقطت من ز.
[54150]:{من قوم موسى} سقط من الآية في ز.
[54151]:{ولا يسأل عن ذنوبهم} سقط من الآية في ز.
[54152]:"فلذلك" سقط من ز.
[54153]:ز: "قصهر" وأظنه محرفا عما أثبته.
[54154]:انظر: ابن جرير20-105-106، والقرطبي13/310، وابن كثير5/297-298.
[54155]:انظر: ابن جرير20/105، وزاد المسير 6/239، والقرطبي13/310، وانظر: التوجيه في ابن كثير5/297.
[54156]:انظر: ابن جرير20/106، وزاد المسير6/239، والقرطبي 13/310، وابن كثير5/298، والدر،20/4379.
[54157]:ز: لباسه.
[54158]:هو شهر بن حوشب الأشعري: فقيه قارئ، من رجال الحديث، شامي الأصل سكن العراق، وهو متروك الحديث، انظر: تهذيب التهذيب 4/369، والأعلام3/259.
[54159]:انظر: ابن جرير20/106، والقرطبي 13/310، وابن كثير 5/298.
[54160]:ز: يدع.
[54161]:انظر: القرطبي 13/310-311، والدر20/436-437.
[54162]:من "عليه...للإفساد" ساقط من ز.
[54163]:"ذلك" سقطت من ز.
[54164]:ز: ويأمرني.
[54165]:ز: وإبليس، تحريف.
[54166]:"عليه السلام" سقطت من ز.
[54167]:ز: فعود.
[54168]:ز: فخسف.
[54169]:بعدها في ز: الأرض.
[54170]:من "وهو قوله...الأرض" ساقط من ز.
[54171]:انظر: ابن جرير20/106، وزاد المسير6/240.
[54172]:ز:مفتح.
[54173]:انظر: ابن جرير 20/106، وزاد المسير 6/240، وابن كثير 5/298، والدر 20/437.
[54174]:ز: منه.
[54175]:ز: في.
[54176]:انظر: ابن جرير20/107، وزاد المسير 6/240، والقرطبي13/313، والدر20/438.
[54177]:ز: المفاتح.
[54178]:انظر: ابن جرير20/107، وزاد المسير6/240، والقرطبي13/312.
[54179]:انظر: ابن جرير20/107، والقرطبي13/313، وفي ع: "أوعية" والتصويب من ز، ومن كتب التفسير.
[54180]:بعده في ز: أولي القوة.
[54181]:انظر: ابن جرير 20/107، والدر20/438.
[54182]:انظر: مجاز القرآن2/110.
[54183]:ز: مفاتح.
[54184]:انظر: اللسان 2/101 مادة: نوت.
[54185]:ز: ونأني.
[54186]:ز: ينوؤني. في أوناني.
[54187]:انظر: القرطبي 13/312.
[54188]:ز: بالعصبة.
[54189]:ز: لميلهم.
[54190]:انظر: ابن جرير20/107-108، وزاد المسير6/240، والقرطبي13/313.
[54191]:انظر: ابن جرير 20/107، وزاد المسير6/240، والقرطبي13/13.
[54192]:انظر: ابن جرير20/108، والقرطبي13/313.
[54193]:قاله ابن عباس، انظر: ابن جرير20/108.
[54194]:انظر: ابن جرير20/108، والقرطبي 13/312-313.
[54195]:انظر: ابن جرير20/108، وزاد المسير6/240، والدر20/438.
[54196]:بعده في ز: "خمسة عشر رجلا" ولعله انتقال نظر.
[54197]:"ما بين عشرة إلى خمسة عشر" سقط من ز.
[54198]:من "وروى ... رجلا" سقط من ز.
[54199]:انظر: التوجيه في القرطبي13-313.
[54200]:في ع: "خمس".
[54201]:ز: وحكي عن.
[54202]:انظر: معاني الزجاج4/155.
[54203]:: ذو.
[54204]:ع: "خمس".
[54205]:انظر: ابن جرير20/108، والدر 20/438.
[54206]:"تعالى" سقطت من ز.
[54207]:"إن الله" سقطت من الآية في ز.
[54208]:"أي" سقطت من ز.
[54209]:انظر: ابن جرير20/111، وابن كثير5/298، والدر 20/438-439.
[54210]:انظر: ابن جرير20/111.
[54211]:ز: وقال.
[54212]:"له" سقطت من ز.
[54213]:ز: الجمع.
[54214]:ز: لكدين.
[54215]:آل عمران: 173.
[54216]:ز: مسعود، تحريف.
[54217]:انظر: معاني الفراء 2/311.
[54218]:ع: طبع وطابع: تحريف. انظر: معاني الفراء2/311.
[54219]:"تعالى" سقطت من ز.
[54220]:الزمر: 30.
[54221]:انظر: معاني الزجاج4/155.