ثم عقب سبحانه حديث أهل الضلال بقصة قارون لما اشتملت عليه من بديع القدرة وعجيب الصنع فقال : { إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى } قارون على وزن فاعول اسم أعجمي ممتنع للعجمة والعلمية ، وليس بعربيّ مشتق من قرنت . قال الزجاج : لو كان قارون من قرنت الشيء لانصرف . قال النخعي وقتادة وغيرهما : كان ابن عمّ موسى ، وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ، وموسى هو ابن عمران بن قاهث . وقال ابن إسحاق : كان عمّ موسى لأب وأم فجعله أخا لعمران ، وهما ابنا قاهث . وقيل : ابن خالة موسى ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة منه ، فنافق كما نافق السامري وخرج عن طاعة موسى ، وهو معنى قوله : { فبغى عَلَيْهِمْ } أي جاوز الحدّ في التجبر والتكبر عليهم ، وخرج عن طاعة موسى وكفر بالله . قال الضحاك : بغيه على بني إسرائيل استخفافه بهم لكثرة ماله ، وولده . وقال قتادة : بغيه بنسبته ما آتاه الله من المال إلى نفسه لعلمه ، وحيلته . وقيل : كان عاملاً لفرعون على بني إسرائيل ، فتعدّى عليهم وظلمهم . وقيل : كان بغيه بغير ذلك مما لا يناسب معنى الآية .
{ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز } جمع كنز ، وهو المال المدّخر . قال عطاء : أصاب كنزاً من كنوز يوسف . وقيل : كان يعمل الكيمياء ، و«ما » في قوله : { مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ } موصولة صلتها إنّ وما في حيزها ، ولهذا كسرت . ونقل الأخفش الصغير عن الكوفيين منع جعل المكسورة ، وما في حيزها صلة الذين ، واستقبح ذلك منهم لوروده في الكتاب العزيز في هذا الموضع . والمفاتح جمع مفتح بالكسر ، وهو ما يفتح به ، وقيل : المراد بالمفاتح : الخزائن ، فيكون واحدها مفتح بفتح الميم . قال الواحدي : إن المفاتح : الخزائن في قول أكثر المفسرين ، كقوله : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب } [ الأنعام : 59 ] قال : وهو اختيار الزجاج ، فإنه قال : الأشبه في التفسير أن مفاتحه : خزائن ماله .
وقال آخرون : هي جمع مفتاح ، وهو ما يفتح به الباب ، وهذا قول قتادة ومجاهد { لَتَنُوأُ بالعصبة أُوْلِي القوة } هذه الجملة خبر إن وهي واسمها وخبرها صلة ما الموصولة ، يقال ناء بحمله : إذا نهض به مثقلاً ، ويقال ناء بي الحمل : إذا أثقلني ، والمعنى : يثقلهم حمل المفاتح . قال أبو عبيدة : هذا من المقلوب ، والمعنى : لتنوء بها العصبة ، أي تنهض بها . قال أبو زيد : نؤت بالحمل : إذا نهضت به . قال الشاعر :
إنا وجدنا خلفاً بئس الخلف *** عبداً إذا ما ناء بالحمل وقف
وقال الفراء : معنى تنوء بالعصبة : تميلهم بثقلها كما يقال : يذهب بالبؤس ، ويُذهِب البؤس وذهبت به ، وأذهبته وجئت به وأجأته ونؤت به ، وأنأته ، واختار هذا النحاس ، وبه قال كثير من السلف . وقيل : هو مأخوذ من النأي ، وهو البعد وهو بعيد . وقرأ بديل بن ميسرة : " لينوء " بالياء ، أي لينوء الواحد منها أو المذكور ، فحمل على المعنى . والمراد بالعصبة : الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض . قيل : هي من الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : من العشرة إلى الخمسة عشر ، وقيل : ما بين العشرة إلى العشرين ، وقيل : من الخمسة إلى العشرة . وقيل : أربعون . وقيل : سبعون . وقيل : غير ذلك { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ } الظرف منصوب ب { تنوء } . وقيل : ب { آتيناه } ، وقيل : ب { ببغي } . وردّهما أبو حبان بأن الإيتاء والبغي لم يكونا ذلك الوقت . وقال ابن جرير : هو متعلق بمحذوف ، وهو : اذكر ، والمراد بقومه هنا : هم المؤمنون من بني إسرائيل . وقال الفراء : هو موسى ، وهو جمع أريد به الواحد ، ومعنى { لا تفرح } : لا تبطر ولا تأشر { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين } البطرين الأشرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم . قال الزجاج : المعنى لا تفرح بالمال ، فإن الفرح بالمال لا يؤدي حقه ، وقيل المعنى : لا تفسد كقول الشاعر :
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة *** وتحمل أخرى أفرحتك الودائع
أي أفسدتك . قال الزجاج : الفرحين والفارحين سواء . وقال الفراء : معنى الفرحين : الذين هم في حال الفرح ، والفارحين : الذين يفرحون في المستقبل . وقال مجاهد : معنى { لا تفرح } : لا تبغ إن الله لا يحبّ الفرحين الباغين . وقيل معناه : لا تبخل إن الله لا يحبّ الباخلين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.