قوله عز وجل : { إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى } يعني : من بني إسرائيل . ويقال : كان ابن عم موسى { فبغى عَلَيْهِمْ } يعني : تطاول وتكبر على بني إسرائيل ، وكان فرعون قد ملكه على بني إسرائيل حين كانوا بمصر ، فلما قطع موسى البحر ببني إسرائيل ، ومعه قارون فأغرق الله تعالى فرعون وجنوده ورجع موسى عليه السلام ببني إسرائيل إلى أرض مصر ، وسكنوا ديارهم كما قال في رواية أُخرى { كَذَلِكَ وأورثناها بنى إسراءيل } [ الشعراء : 59 ] وجعلت جنوده لهارون ، وهو الرأس ، والذي بقرب القربان فقال قارون لموسى : لك النبوة ، ولهارون الحبورة ، والمذبح ، وأنا لست في ذلك من شيء . فقال له موسى : أنا لم أفعل ذلك ، ولكن الله تعالى فعل ذلك . فقال له قارون : لا أصدقك على ذلك ، واعتزل قارون ومن تبعه من بني إسرائيل ، وكان كثير المال والتبع .
وروي عن الحسن أنه قال : أول من شرف الشرف قارون ، لما بنى داره وفرغ منها ، وشرفها صنع للناس طعاماً سبعة أيام ، يجمعهم كل يوم ويطعمهم .
وروي عن ابن عباس أنه قال : لما أمر الله تعالى موسى بالزكاة قال لقارون : إن الله أمرني أن آخذ من مالك الزكاة ، فأعط من كل مائتي درهم خمسة دراهم ، فلم يرض بذلك فقال له : اعط من كل ألف درهم درهماً ، فلم يرض بذلك . وقال لبني إسرائيل : إن موسى لم يرض حتى تناول أموالكم ، فما ترون ؟ قالوا : رأينا لرأيك تبع . قال : فإني أرى أن ترموه فتهلكوه ، فبعثوا إلى امرأة زانية ، فأعطوه حكمها على أن ترميه بنفسها ، ثم أتوه في جماعة بني إسرائيل . فقالوا : يا موسى ما على من يسرق من الحد . قال : تقطع يده . قالوا : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا . قالوا : وما على الزاني إذا زنى ؟ قال : يرجم . قالوا : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا . قالوا : فأنت قد ازنيت . قال : أنا وجزع من ذلك ، فأرسلوا إلى المرأة ، فلما جاءت وعظها ، وعظم عليها موسى الحلف بالله ، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل ، وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت . قالت : أما إذا حلفتني ، فإني أشهد أنك بريء ، وإنك رسول الله . وقالت : أرسلوا إليَّ فأعطوني حكمي على أن أرميك بنفسي . قال : فخرّ موسى عليه السلام لله ساجداً يبكي ، فأوحى الله تعالى إليه ما يبكيك قد أمرت الأرض أن تطيعك ، فأمرها بما شئت . فقال موسى : خذيهم ، فأخذتهم .
وقال في رواية الحسن : خرج موسى عليه السلام مغضباً . فدعى الله عز وجل . وقال : عبدك قارون الذي عبد غيرك دونك وجحدك ، فأوحى الله تعالى إلى موسى إني قد أمرت الأرض ، بأن تطيعك ، فجاء موسى حتى دخل إلى قارون حين اجتمع الناس في داره .
فقال : يا عدو الله كذبتني بكلام له غيظ ، حتى غضب قارون ، وأقبل عليه بكلام شديد ، وهّم به . فلما رأى موسى ذلك قال : يا أرض خذيهم . قالوا : وكان قارون على فرش على سرير مرتفع في السماء ، فأخذت الأرض أقدامهم ، وغاب سريره ومجلسه ، وقد دخل من الدار في الأرض مثل ما أخذت منهم على قدرها ، فأقبل موسى يوبخهم ، ويغلظ لهم المقالة ، فلما رأى القوم ما نزل بهم ، عرفوا أن هذا الأمر ليس لهم به قوة ، فنادوا : يا موسى كف عنا ، وارحمنا ، وجعلوا يتضرعون إليه ، ويطلبون رضاه ، وهو لا يزداد إلا غضباً وتوبيخاً لهم ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى ركبهم ، فجعلوا يتضرعون إليه ، ويسألونه ، وهو يوبخهم ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى أوساطهم ، وكانت الأرض تأخذ من الدار كل مرة مثل ما تأخذ منهم ، وهم يتضرعون في ذلك إلى موسى ، ويسألونه . ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى آباطهم ، فمدوا أيديهم إلى وجه الأرض رجاء أن يمتنعوا بها . ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى أعناقهم ، فلم يبق على وجه الأرض منهم شيء إلا رؤوسهم ، ولم يبق من الدار إلا شرفها . وقال قارون : يا موسى أنشدك بالله وبالرحم . فقال : يا أرض خذيهم ، فاستوت الأرض عليهم ، وعلى الدار ، فانطلق موسى ، وهو فرح بذلك ، فأوحى الله تعالى إلى موسى ، يا موسى يتضرع إليك عبادي ، ودعوك وسألوك ، فلم ترحمهم ، أما وعزتي وجلالي لو أنهم سألوني ، واستغاثوا بي لرحمتهم ، ولكن تركوا أن يجعلوا رغبتهم ورجاءهم إلي ، وجعلوها إليك ، فتركتهم فذلك قوله تعالى : { إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى فبغى عَلَيْهِمْ } يعني : تطاول على بني إسرائيل ، وعلى موسى { إِنَّ قارون كَانَ } يعني : من المال { مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ } يعني : خزائنه { لتنوء بالعصبة } قال مقاتل : العصبة من العشرة إلى أربعين ، فإذا كانوا أربعين ، فهم أولو قوة يقول : لتعجز العصبة أولو القوة عن حمل مفاتيح الخزائن .
وقال أهل اللغة : ناء به الحمل إذا أثقله . وقال القتبي : تنوء بالعصبة ، أي تميل بها العصبة ، أي تميل بهم العصبة إذا حملتها من ثقلها ، وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : العصبة في هذا الموضوع أربعون رجلاً ، وخزائنه كانت أربعمائة ألف ما يحمل كل رجل منهم عشرة آلاف إلا أن ويقال { مَّفَاتِحهُ } يعني : مفاتيح خزائنه يحملها أربعون رجلاً . ويقال : أربعون بغلاً .
وروى وكيع عن الأعمش عن خيثمة قال : كان مفاتيح كنوز من جلد كل مفتاح مثل الإصبع ، كل مفتاح على خزانة على حدة ، فإذا ركب حمل المفاتيح على ستين بغلاً كل بغل أغر محجل { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } يعني : بني إسرائيل { لاَ تَفْرَحْ } يعني : لا تفخر بما أديت من الأموال .
ويقال : لا تفرح بكثرة المال { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين } يعني : المرحين المفاخرين . ويقال : البطرين ويقال : لا تفرح أي : لا تأشر والأشر أشد الفرح الذي يخالطه حرص شديد حتى يبطر ، يعني : يطغى
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.